[اتفاق أهل السنة على أن كلام الله غير مخلوق وبيان ما تنازع فيه المتأخرون]
قال رحمه الله تعالى: [وبالجملة: فأهل السنة كلهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف متفقون على أن كلام الله غير مخلوق، ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون في أن كلام الله هل هو معنى واحد قائم بالذات].
وهذا كلام الكلابية وكثير من المتكلمين الذين جاءوا بعد.
قال رحمه الله تعالى: [أو أنه حروف وأصوات تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً].
هذا أيضاً قول بعض المتكلمين من أهل الحديث، فهو قول لطائفة من أهل الكلام، وليس قول أكثرهم، فأكثرهم يقولون بالقول الأول أو بنحوه، أي أنه معنىً قائم بالذات، أو هو حديث النفس، أو هو معنىً قائم بالنفس، أو نحو ذلك مما يدور حول أن الكلام عندهم معان وليس حروفاً وأصواتاً، إنما تكلم به جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم.
أما كونه صدر عن الله فهم يزعمون أنه صدر عن الله معاني ترجمت، فلما تكلم بها موسى صارت توراة، ولما تكلم بها محمد صلى الله عليه وسلم بالعربية صارت قرآناً، ولما تكلم بها عيسى صارت إنجيلاً، كذا زعموا، وهذا نوع من الانجذاب إلى قول الفلاسفة والمتكلمين، وإن كان بعض من قال بها يدعي أنه يثبت كلام الله، لكن على تأويل فاسد.
إذاً: القول الأول قول أكثر الكلابية ومن تابعهم من المتكلمين، والقول الثاني قول متكلمة أهل الحديث أو محدثة أهل الكلام.
قال رحمه الله تعالى: [أو أنه لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وأن نوع الكلام قديم].
هذا كلام السلف، وهو أن الله عز وجل متكلم إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء سبحانه، وأن كلامه من صفاته، وهذا معنى أنه قديم، فكلامه من صفاته، وصفات الله عز وجل كذاته أزلية، لكن صفات الله عز وجل على نوعين: منها صفات ذاتية، ومنها صفات فعلية، ومنها ذاتية وفعلية، فبعض أهل العلم قال: إنها ثلاثة أنواع، وبعضهم جعل الذاتية الفعلية داخلة في الفعلية، وبعضهم جعلها داخلة في الذاتية.
أما الصفات الفعلية فهي كالنزول والمجيء، وأما الصفات الذاتية فهي كالحياة والعلم والقدرة، أما الصفات التي قد تكون ذاتية فعلية فهي كالكلام، فمن حيث إن الله عز وجل متكلم تكون صفة ذاتية، لكن من حيث حدوث الكلام تكون صفة فعلية، فالله عز وجل يتكلم إذا شاء ومتى شاء، كما كلم موسى وكما كلم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وكما يكلم الناس يوم القيامة، يكلم الخلائق جميعاً بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، كما أنه يكلم كل عبد ويحاسبه على أعماله ليس بينه وبينه ترجمان، فيحاسب العباد جميعاً حساب رجل واحد ويكلمهم جميعاً وكأنه يكلم رجلاً واحداً، على ما يليق بجلاله، وهذا أمر غير مفسر بالنسبة لقدرة عقول البشر.
فهذا دليل على أن الله يتكلم متى شاء، فهذا النوع داخل في أفعال الله، فالله يفعل الكلام متى شاء، لكن صفة الكلام -وهي أن الله عز وجل قادر على الكلام متى شاء وأنه متكلم- صفة لازمة، بمعنى: أنها أزلية، وهذا معنى القديم.
والسلف كانوا يكرهون كلمة (قديم)، لكن أحياناً يعبرون بها بناءً على أنها عمت بها البلوى، خاصة بعد القرن الرابع إلى وقت قريب، فصار الناس يتكلمون بها لإيضاح العقيدة اضطراراً.