للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إبطال الشرك في الربوبية بقوله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)]

قال رحمه الله تعالى: [وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢]، وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره، وهو أنه لو كان للعالم صانعان إلى آخره، وغفلوا عن مضمون الآية، فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره، ولم يقل: أرباب].

أي: لو كان فيهما معبود، هذا معنى تقرير القول، فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة، يعني: من يعبد غير الله أو يستحق العبادة غير الله، ولم يقل: أرباب؛ لأن مسألة الربوبية بدهية عند سائر العقلاء حتى الذين لا يقرون بالنبوات قد يقرون بضرورة وجود الرب الخالق، لكن المسألة التي هي محل نزاع، وهي التي خالف فيها البشر هي مسألة العبادة.

فإذاً: معنى الآية: لو كان فيهما معبود يستحق العبادة غير الله لكان الأمر كذلك.

قال رحمه الله تعالى: [وأيضاً: فإن هذا إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا، وأيضاً: فإنه قال: {لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢]، وهذا فساد بعد الوجود، ولم يقل: لم يوجدا.

ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة، بل لا يكون الإله إلا واحداً، وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى، وأن فساد السموات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة، ومن كون الإله الواحد غير الله، وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره، فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله، فإن قيامه إنما هو بالعدل، وبه قامت السموات والأرض.

وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك، وأعدل العدل التوحيد، وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس؛ فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزاً، والعاجز لا يصلح أن يكون إلهاً، قال تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف:١٩١]، وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل:١٧]].