للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار الواردة عن ابن مسعود وأبي هريرة وغيرهما في خلو جهنم من المعذبين بعد مضي الحقب]

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً، وهؤلاء هم الكفار.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مثله.

قال البغوي: ومعناه عند أهل السنة إن ثبت: ألا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان.

فيقال: إنهما لم يريدا ذلك، فإنهما بعدما يلبثون فيها أحقاباً، وهؤلاء هم الكفار المذكورون في قوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} [النبأ:٢١ - ٢٨].

وهذا وصف الذين كذبوا بآيات الله، {كِذَّابًا} [النبأ:٢٨] أي: تكذيباً، فهو تكذيب مؤكد بالمصدر، ولم أجد نقلاً مشهوراً عن أحد من الصحابة يخالف ذلك، بل أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهما هما رويا حديث ذبح الموت، وأحاديث الشفاعة، وخروج أهل التوحيد وغيرهما، قالا في فناء النار ما قالا، وقد نقل البغوي: روى السدي عن مرة عن عبد الله قال: لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا.

وقد استفاض عن غير واحد من السلف تقدير الحقب بحد محدود، والأحقاب جمع حقب، فروى ابن أبي حاتم عن عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣] قال: سنين.

وعن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣] قال: الحقب: ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوماً، واليوم كألف سنة، اليوم منها كالدنيا كلها.

قال ابن أبي حاتم، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وهلال الهجري والضحاك وذكوان والحسن وسعيد بن جبير وقتادة وعمرو بن ميمون أنهم قالوا: الحقب: ثمانون سنة.

وعن هشام عن الحسن البصري أنه سئل عن قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣] فقال: الله أعلم بالأحقاب، فليس فيها عدد إلا الخلود، ولكنه بلغنا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة، كل يوم من تلك الأيام كألف سنة مما تعدون.

وعن هشام عن الحسن قال: الأحقاب لا يدري أحد ما هي؟ ولكن الحقب الواحد سبعون ألف سنة، اليوم منها كألف سنة مما تعدون.

وقوله: الله أعلم ما الأحقاب، ولا يدري أحد ما هي؟ يقتضي أن لها عدداً الله أعلم به، ولو كانت لا عدد لها لعلم كل واحد أنه لا عدد لها، ويؤيد ما نقله الحسن عن عمر بن الخطاب كما تقدم.

قول الحسن: (ليس فيها عدد إلا الخلود) حق أيضاً، فإنهم خالدون فيها لا يخرجون منها ما دامت باقية، فأقوال الحسن يصدق بعضها بعضاً.

وأما خلودهم في النار فهو حق كما أخبر الله.

وعن السدي: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣] قال: سبعمائة حقب، كل حقب سبعون سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، كل يوم كألف سنة مما تعدون.

وعن عبد الله بن عمرو قال: الحقب: أربعون سنة.