للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لازم القول بتكفير قائل البدعة]

قال رحمه الله تعالى: [وهنا يظهر غلط الطرفين؛ فإنه من كفّر كل من قال القول المبتدع في الباطن يلزمه أن يكفّر أقواماً ليسوا في الباطن منافقين، بل هم في الباطن يحبون الله ورسوله، ويؤمنون بالله ورسوله وإن كانوا مذنبين، كما ثبت في صحيح البخاري عن أسلم مولى عمر رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه: (أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله)].

هذا من النصوص التي لا يطيقها الخوارج وأمثالهم، ويضيقون بها ذرعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم شهد لهذا الرجل مع أنه حد في كبيرة من الكبائر بأنه يحب الله ورسوله، فينبغي للمسلمين أن يقتدوا بمثل هذه النصوص الجامعة الحاكمة، فهذا من النصوص الحاكمة التي تعطي التوازن، ويجب أن يرجع إليها الناس في مسألة الوعد والوعيد، فإن هذا الرجل اجتمع فيه تحقيق الوعيد والوعد له من النبي صلى الله عليه وسلم، فنفذ في هذا الرجل الحد في الدنيا بأن جلد، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً بجلده، وفي نفس الوقت شهد له بالإيمان، إذاً: مثل هذا النص يمثل القاعدة التي يجب أن يحتذيها المسلمون جميعاً في الحكم على أهل القبلة، حتى في مسألة الولاء والبراء، فالقاعدة الشرعية أنك تحب المسلم بقدر ما فيه من الخير والفضيلة، وبقدر ما يظهر منه من الطاعات، وفي الوقت نفسه تكرهه بقدر ما يظهر منه من المعاصي، فإذا كان هناك من المسلمين من فيه معاص وفيه بعض مظاهر الخير تحبه بقدر ما فيه من الخيرات وتكرهه بقدر ما فيه من الشر، فيجتمع الحب والبغض والولاء والبراء في الشخص الواحد، وهذا أمر بدهي ضروري، فإذا أخذنا الأمور كلها بحزم فمن الذي نزكي؟! ولو أن طائفة زكت فلاناً وأخرى لم تزكه فإن الفتنة تقع في الأرض.