أما قوله عن الفلاسفة بأن مذهبهم: أن الله سبحانه وجود مجرد لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يقصد بذلك أنهم لا يعتقدون أن لله وجوداً ذاتياً مستقلاً عن وجود المخلوقات.
ولذلك فهم ذهبوا إلى تفسير وجود الله عز وجل بأنه وجود مجرد، وفسروه بتفسيرات تؤدي إلى إنكار أسماء الله وصفاته وذاته وأفعاله، بل إلى إنكار الوجود الحقيقي الذي يتصوره العقلاء.
إذاً: فتصورهم لوجود الله تصور تجريدي يجردونه من الوجود الحقيقي، فمنهم من فسره بالوجود العقلي، والعقل ليس له وجود حقيقي عندهم، إنما هو قوة فعالة، وبعضهم فسره بالروح، أي: فسروا وجود الله عز وجل بأنه روح، وبعضهم فسر وجود الله عز وجل بأنه قوة، وبعضهم فسر وجود الله عز وجل بالحلول في الخلق، وبعضهم فسره بالاتحاد بالخلق، وبعضهم فسره بوحدة الوجود، وقال: إن هذا الوجود كله هو الله، تعالى الله عما يزعمون.
وكل هذه المذاهب هي مذاهب الفلاسفة، لكنها ظهرت في المسلمين تحت شعارات وتحت ألوية الفرق بمسميات إسلامية، إما على أيدي الفلاسفة أو الباطنية، أو الصوفية، أو على أيدي من جمعوا هذه المذاهب كلها، كمتأخرة الزنادقة أمثال: ابن عربي والسهروردي، وابن سبعين، وابن الفارض وأمثالهم.
ولذلك لما فسروا النبوات وفسروا الوحي فسروه بما يتفق مع هذه المعاني.
فمنهم من قال: إن الوحي والنبوة إنما هي إشراق من نور الوجود بالمثال إلى عالم المادة، ومنهم من قال: إنها فيض، ومنهم من قال: إنها تأتي عن طريق العقل الفعال كما ستأتي الإشارة إليه.
ومن هنا جردوا الله عز وجل من الأسماء والصفات والأفعال، وإن أقروا له بالصفات، أو أقر بعضهم بالأسماء والصفات، فإنما أقروا بمعانٍ لا تنطبق على موصوف ولا مسمى، إنما هي مجرد معاني دل عليها ظواهر المخلوقات، ولا ترجع إلى موصوف موجود.
قال رحمه الله تعالى:[فإن مذهبهم: أن الله سبحانه وجود مجرد لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها، وكل موجود في الخارج فهو جزئي، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته، وإنما العالم عندهم لازم له أزلاً وأبداً، وإن سموه مفعولا له فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ، وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته! فهذا إيمانهم بالله].