ما حكم تكفير الحجاج، وهل ورد من بعض السلف تكفيره وهل صح ما نسب إليه من قتل سعيد بن جبير وغيره؟
الجواب
ما أعرف أن أحداً من السلف كفر الحجاج، فقد يطلق على بعض أعماله الكفر، وهذا معروف، فبعض الأعمال قد يفسرها بعض السلف بأنها كفر، ولا يعني ذلك أنهم أطلقوا عليه أنه كافر، بل هو كفر معصية.
أما قتله لـ سعيد بن جبير فمعروف، فـ سعيد بن جبير رضي الله عنه اجتهد فخرج مع عبد الرحمن بن الأشعث، وخرج كثير من الأئمة في وقته فناصحوه، خاصة الأئمة الكبار أمثال: الحسن البصري، ومطرف وغيرهم من الأئمة الكبار، نصحوا سعيد بن جبير ونصحوا غيره، لكن لله الأمر من قبل ومن بعد، فخرج فاتخذ الحجاج في خروج سعيد بن جبير ذريعة لقتله، ولا شك أن قتله كان بعدما انتهت الفتنة، وبعد العهد بها، فقتل الحجاج له بعدما رجع واختفى معناه أن سعيد بن جبير قتل مظلوماً، لكن الذريعة التي اتخذها الحجاج هي خروجه عليه، مع أن سعيد بن جبير ما خرج على عبد الملك بن مروان، إنما تأول في ضرورة دفع ظلم الحجاج، فتأوله ما وافقه عليه غيره هو ومن شاركه، ما وافقهم السلف على ذلك، بل إن بعد هذه الفتنة -كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، والذهبي - عرف السلف أنه لا جدوى من استعمال القوة لدفع الظلم، وأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة الصبر والمناصحة أمر قاطع لا محيد عنه، وأنه لا يجوز لمن ليس له ولاية أن يحمل السيف على الوالي وإن كان ظالماً وفاجراً، والحجاج كان والياً، لكنه كان ظالماً جباراً كما هو معروف.
فـ سعيد بن جبير رحمه الله تأول وأخطأ، والأئمة الذين سلموا بعد الفتنة وبقوا أحياءً رجعوا عن ذلك وتابوا وعرفوا أنهم أخطئوا، وإن كان الحجاج ظالماً جباراً، وفرق بين هذا وهذا.
فالخروج لا يسوغ بمثل هذه الأمور مهما كان الظلم والجبروت من الوالي، فلا يجوز الخروج بحال ما يحل الأمر بالطرق الشرعية، ولا يصيب الناس من هذه الأمور شيء من الظلم والجور إلا بذنوبهم، ولو استقاموا وأصلحوا ما بينهم وبين ربهم لما ولى عليهم والياً ظالماً أبداً.