للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار المترتبة على القول بخلق القرآن]

السؤال

ما هي الآثار المترتبة على القول بخلق القرآن؟

الجواب

الفرق بين قول أهل السنة والجماعة: القرآن منزل وهو كلام الله تعالى، وبين القول بأن القرآن مخلوق يترتب عليه أمور كثيرة: أولها: إذا قلنا: إن القرآن مخلوق؛ فالمخلوق ناقص، ودلالاته ناقصة، وقداسته أقل، فيكون القرآن والإنسان شيئاً واحداً، بل ثبت أن الإنسان أكرم المخلوقات، فعلى هذا يكون القرآن دون الإنسان في الكرامة، فإذا كان كذلك فهذا يعني أن قداسة القرآن أقل، وأن دلالاته أقل، وأنه يجوز للإنسان أن يتكلم فيه، وإهانته ليست بالقدر الذي يكون لو كان كلام الله، وكل ما يترتب على إكرام القرآن وقداسته وقداسة الاستدلال به واحترام المسلمين له؛ كل ذلك يسقط؛ إذ المخلوق ليس له هذه المكانة والقداسة، هذا أمر.

الأمر الآخر: الدلالة نفسها، فإذا قلنا بأن القرآن مخلوق؛ فهذا يعني أنه كلام البشر، وإذا قلنا: إنه كلام البشر؛ فهو ترجمة لمعاني ما يريده الله، والترجمة لمعاني ما يريده الله ليست هي ما يريد الله، إنما هي تعبير البشر الناقص، والبشر يعتريه السهو والنقص والخلل إلى آخره، وليس بكامل كمالاً مطلقاً مهما كان، فإذا قيل: إنه ليس بكلام الله؛ فهذا يعني أنه كلام الناس، ومن هؤلاء الناس؟ الله أعلم، أو أنه كلام المخلوقين، ومن هؤلاء المخلوقون؟ الله أعلم، فإذا كان كذلك فهذا يعني أن الاستدلال به أقل، وقوته في الدلالة أقل.

وهناك أمر آخر نتج عن القول بخلق القرآن، وهو اعتبار دلالات كلام الله تعالى أقل من دلالات العقل؛ لأن العقل هو آلة التمييز بين الضار والنافع، وبين الحق والباطل التي يستعملها الإنسان بنفسه، وهي عند المتكلمين أقوى من دلالة القرآن؛ لأن القرآن مخلوق والعقل مخلوق، والقرآن أمر زائد خارج عن الإنسان، وهو مخلوق، والعقل هو عقل الإنسان الذي يستخدمه، فعقله مقدم ومحكم، فنتيجة لذلك قالت المعتزلة: دلالة القرآن ليست قطعية، بل ظنية؛ لأنه مخلوق! بل الذين قالوا بأن العقل أقوى من النقل من غير المعتزلة كانت جرأتهم على القرآن بعد القول بأن القرآن كلام الله، فلذلك قالوا: العقل هو المحكم والعقل هو المقدم والعقل هو الميزان والعقل هو المرجع، وإذا تعارض العقل مع كلام الله تعالى؛ فالعقل هو المقدم؛ لأن كلام الله مخلوق عندهم.

ثم ترتب على هذا أيضاً أن قالوا بأن دلالة القرآن ظنية، فلما جاءت آيات الله في الرؤية قالوا: هذا أمر ظني؛ لأن القرآن مخلوق واعتبار دلالاته كاعتبار المخلوق، فردوا آيات الله الصريحة في الرؤية؛ لأن منزلة القرآن عندهم أقل مما ينبغي، وهكذا؛ كل ذلك إضافة إلى أنه رد صريح لألفاظ كلام الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى نزل القرآن، وآيات الإنزال والتنزيل في القرآن كثيرة جداً، وأيضاً التصريح بأنه كلام الله، كقوله تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦]، فالقول بأنه مخلوق معارضة صريحة لما ورد من أنه كلام الله في كلام الله نفسه، ولم ترد آية ولا دليل في أن القرآن مخلوق أبداً، إنما هي استدلالات في غير محلها.

فالمشكلة أنهم فسروا كلام الله بتفسيرات من عقولهم، فلهذا ينبغي أن نتعفف عن أقوالهم في كلام الله تعالى، ولا نتكلم عنهم بغير حاجة، لكن المهم أن القول بأن القرآن مخلوق أدى إلى تقليل منزلة القرآن والحط منها تقديساً ومنهجاً واستدلالاً، وحصل ما حصل من تخطي القرآن إلى الاستدلال بالعقل.