[وجه كون قول المتكلمين في الرؤية أقرب من قول المعتزلة]
إن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يقال فيه: لا داخل العالم ولا خارجه، لكن قول من أثبت موجوداً يرى لا في جهة أقرب إلى العقل من قول من أثبت موجوداً قائماً بنفسه لا يرى ولا في جهة.
ويقصد بذلك: أن قول الأشاعرة الذي ينفون الجهة ويثبتون الرؤية أقرب إلى الحق من قول المعتزلة والجهمية الذين ينفون الرؤية نفياً مطلقاً.
فهم يثبتون أن الله عز وجل موجود وقائم بنفسه حسب تعبيرهم، لكن يقولون بأنه لا يرى ولا في جهة.
وكلمة (الجهة) ينبغي أن نستبعدها، لكن قد يطلقها السلف اضطراراً للتعبير عن العلو والفوقية؛ لأن الذين ينفون العلو والفوقية يقولون للسلف: إذا قلتم بأن الله عز وجل فوق عباده، وأنه العلي؛ فقد قالوا: إذاً أنتم أثبتم الجهة؛ لأن العلو جهة.
والسلف يقولون: لا مانع من أن نأخذ من معنى الجهة المعنى الصحيح، وننفي المعنى الباطل، فالجهة لها معنيان: معنى العلو والفوقية لله عز وجل، فهذا حق.
ومعنى المكان، أو الحيز، كما تقول: الجهة الشمالية من هذا المسجد، أو: الجهة الجنوبية، فهذا المعنى لا يجوز أن يطلق على الله عز وجل؛ لأن المكان وصف من أوصاف المخلوقات، والجهة على هذا الاعتبار وصف من أوصاف المخلوقات، والله عز وجل لا يوصف إلا بما وصف به نفسه.
إذاً: نقول: الله هو العلي سبحانه، وهو القاهر فوق عباده، فإن قال المعتزلة والجهمية: هذه جهة قلنا: سموها ما تشاءون، إنما نحن نثبت العلو والفوقية كما جاءا في النص.