للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقيدة الإيمان بالبعث وما يكون يوم القيامة]

قال رحمه الله تعالى: [قوله: (ونؤمن بالبعث، وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب والعقاب، والصراط والميزان): الإيمان بالمعاد مما دل عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة السليمة، فأخبر الله سبحانه عنه في كتابه العزيز وأقام الدليل عليه ورد على منكريه في غالب سور القرآن].

مسألة البعث من المسائل التي تكلمت فيها جميع الأمم، الأمم الكتابية والأمم غير الكتابية، وجميع الديانات والمذاهب الكبرى تتكلم عن البعث، وهم بين منكرين وهم القلة، وبين من يقرون بمبدأ البعث لكنهم يختلفون، فمنهم من يقر بمبدأ البعث على نحو تراثي، وهم أكثر الديانات، ما عدا الإسلام، فالإسلام لا شك أنه الدين الحق الذي أبان الله به الحق، فإن الإيمان بالبعث فيه، ومسائل البعث جملة وتفصيلاً جاءت في نصوص من الكتاب والسنة بينة، لا لبس فيها ولا غموض.

والمنكرون للبعث تماماً قلة، وإن كان ورد ذكرهم في القرآن الكريم؛ لأن لهم وجوداً بين العرب وبين نُزاَّع الأمم، ويوجد ذلك في مذاهب الفلاسفة والدهريين وغيرهم.

وأما أغلب الذين يؤمنون بالبعث فقولهم كقول المنكرين، بمعنى أن مؤدى قولهم هو إنكار البعث، حتى أهل الكتاب اليهود والنصارى الآن، فإيمانهم بالبعث شبيه بإيمان الأمم غير الكتابية، ومؤدى رأي غالب الأمم في البعث إلى إنكاره؛ لأنهم يقولون: إن البعث بعث الأرواح فقط، فأغلب الديانات الشرقية، والديانات اليونانية، والديانات القديمة، وكذلك الفلاسفة يتكلمون عن البعث؛ لأنه جاء عن الأنبياء، لكنهم يفسرونه بتفسير هو في الحقيقة إنكار للبعث.

فبعضهم يرون أن البعث ما هو إلا نوع من التناسخ للأرواح، أي: أن أرواح البشر الموجودة الآن تنتقل إلى أجساد أخرى بعد الموت، وهذا هو البعث عندهم.

وبعضهم يفسر البعث بأنه حلقة من حلقات الدنيا تعتبر الحلقة الأخيرة، وهذا موجود عند المجوس وعند بعض الصابئة وعند الرافضة، وعند الباطنية وبعض غلاة الصوفية.

فيرون أن البعث ما هو إلا حياة أخرى لاحقة بالحياة الدنيا تعتبر انتصاراً لمن يقدسونه، وانتصاراً لهم على الآخرين.

فكأن البعث عندهم حلقة من حلقات هذه الحياة الدنيا تعتبر هي الحلقة الأخيرة، يسعد فيها السعداء ويشقى فيها الأشقياء، على نحو خرافي عندهم.

وهذا هو ما عليه أكثر الديانات الوضعية، فهو عند الصابئة وعند المجوس بمختلف دياناتهم، وعند أكثر الديانات الهندية، ويوجد عند بعض الرافضة، وعند غلاة الصوفية، وغلاة الفلاسفة وغيرهم، وأكثر الباطنية.

لكن بعضهم يقول: إن هذه الحلقة تتكرر، بمعنى أن البعث يتكرر على مدار سنين معينة، يعدونها بآلاف السنين.

فبعضهم يقول: ستة آلاف سنة، وبعضهم يقول: في كل ست وثلاثين ألف سنة، وبعضهم يقول: في كل ثلاثمائة وستين ألف سنة إلى آخره.

فليس البعث عندهم بمعنى تبدل الأرض بغير الأرض، وأن الله عز وجل يميت جميع الناس ثم يحييهم مرة أخرى، ويندر أن يوجد هذا التصور عندهم، حتى عند أصحاب الديانات الكتابية، فبعضهم يرى البعث تناسخاً، وبعضهم يرى البعث حلقات، وهو أيضاً نوع من التناسخ، وبعضهم يرى أن البعث هو الحلقة الأخيرة من هذه الحياة.

فالإيمان بالبعث حتى عند الأمم الكتابية لا يخلو من هذه التصورات الفاسدة، فلا يوجد من يؤمن بالبعث على نحو صحيح سليم إلا المسلمون.

وإن وجد من يؤمن به كذلك فعددهم قليل، وليس هو مذهباً سائداً عند غير المسلمين، ولا حتى عند أهل الكتاب.

ولا شك أن العقول السليمة تدرك ضرورة الإيمان بالبعث، فبعض العقلاء حتى وإن لم يكونوا مسلمين عندهم هذا الشعور، وهو شعور فطري، غريزي؛ لأننا إذا قلنا: إن وجود البشر في هذه الدنيا جاء عن إبداع وعن حكمة ولا شك في ذلك، فنحن نرى الناس يموتون والأمم تنقضي وتفنى، وبينها تفاوت في الأقدار وفي الأعمار وفي الرزق وفي الحظوظ، وهناك الظالم والمظلوم، وفي هذه الدنيا من استكمل نصيبه وحظوظه، وفيها من لم يستكمل، فيموتون على هذا الشكل بتفاوتهم، مما يوجب عند العاقل ضرورة أن يكون هناك حلقة أخرى تكون فيها المساواة، ويكون فيها العدل المطلق، وإن كنا نعرف أن الله عز وجل عدل بين الخلق في الدنيا والآخرة، لكن هناك أمور غيبية لا ندركها.

فالظاهر من كثير الناس الذين ليس عندهم إدراك لحكمة الله عز وجل أو قناعة بأحكام الله على التفصيل أنهم يشعرون بالضرورة وبالغريزة من أنه لا بد من استكمال حلقات الدنيا، أو حظوظ البشر والأمم على نحو ما، فيوجد عندهم الشعور بضرورة البعث، فهذا شعور عام هو أشبه بالدلالة العقلية المجملة، لكن مع ذلك هذه الدلالة لا تعطي يقيناً بالبعث، ولا تعطي أيضاً خبراً عن تفاصيل البعث، وما بعد البعث؛ لأن أحوال القيامة والبعث وما يحدث فيها من أهوال، ثم بعد ذلك انقسام الناس إلى شقي وسعيد، وإلى منعم ومعذب، هذا أمر لا يدرك على التفصيل، حتى وإن أقرت بضرورته بعض العقول السليمة، لكن على التفصيل أنى للإنسان أن يدرك هذه الأمور الغيبية على التفصيل؟! فكان لا بد من الإيمان بالغيب والإيمان بالبعث على نحو ما ج