للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار الدالة على ما فعل بالأنبياء وأتباعهم وما فعل بالمكذبين]

قال رحمه الله تعالى: [وأيضاً: فإن الله سبحانه أبقى في العالم الآثار الدالة على ما فعله بأنبيائه والمؤمنين من الكرامة، وما فعله بمكذبيهم من العقوبة: كتواتر الطوفان، وإغراق فرعون وجنوده، ولما ذكر سبحانه قصص الأنبياء نبياً بعد نبي في سورة الشعراء: كقصة موسى وإبراهيم ونوح ومن بعده، يقول في آخر كل قصة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:٨ - ٩]].

القصص المشهورة للنبيين معروفة عند الأمم إلى يومنا هذا، فمثلاً: قصة الطوفان نجدها عند كل أمة من الأمم، فكل أمة من الأمم تتحدث عن الطوفان، يعني: أصل الطوفان ومبدؤه وحدوثه معترف به عند جميع الأمم، وأنه عقوبة لأمة كذبت رسولها، هذا هو أصل القصة وإن نسجت حوله خيالات وحكايات كاذبة، لكن أصل القصة معروف، وكذلك قصة فرعون وغرقه معروفة عند جميع الأمم، فكل أمة ذات حضارة نجد أن قصة فرعون مسطورة في كتبها، فما من أمة حدث لها أمر هائل أو عقوبة شاملة إلا ونجد قصتها عند أكثر الأمم أو عند كل الأمم، وهذا مما تقوم به الحجة على الأمم، حيث تجعل تلك القصص كل إنسان يعرفها يقول: لماذا حدث هذا؟ وكيف حدث؟ وما نتيجته؟ إلى آخر ذلك، فإذا كان هذا في القصص السابقة؛ فكيف بقصص النبي صلى الله عليه وسلم التي هي الآن مدار حديث الأمم جميعاً، وهي مسطورة ومكتوبة، ولا يستطيع أن ينكرها إلا مكابر؟! قال رحمه الله تعالى: [وبالجملة: فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول: إنه رسول الله، وأن أقواماً اتبعوهم، وأن أقواماً خالفوهم، وأن الله نصر الرسل والمؤمنين وجعل العاقبة لهم وعاقب أعداءهم؛ هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها، ونقل أخبار هذه الأمور أظهر وأوضح من نقل أخبار من مضى من الأمم من ملوك الفرس وعلماء الطب، كـ أبو قراط وجالينوس وبطليموس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وأتباعه.

ونحن اليوم إذا علمنا بالتواتر من أحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم علمنا يقيناً أنهم كانوا صادقين على الحق من وجوه متعددة: منها: أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم وخذلان أولئك وبقاء العاقبة لهم.

ومنها: ما أحدثه الله لهم من نصرهم وإهلاك عدوهم، إذا عرف الوجه الذي حصل عليه -كغرق فرعون وغرق قوم نوح وبقية أحوالهم- عرف صدق الرسل.

ومنها: أن من عرف ما جاء به الرسل من الشرائع وتفاصيل أحوالها تبين له أنهم أعلم الخلق، وأنه لا يحصل مثل ذلك من كذاب جاهل، وأن فيما جاءوا به من الرحمة والمصلحة والهدى والخير ودلالة الخلق على ما ينفعهم ومنع ما يضرهم ما يبين أنه لا يصدر إلا عن راحم بر يقصد غاية الخير والمنفعة للخلق.

ولذكر دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات وبسطها موضع آخر، وقد أفردها الناس بمصنفات، كـ البيهقي وغيره].