للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكم على المعين بكونه من أهل الجنة أو النار]

قال رحمه الله تعالى: [قوله: (ولا ننزل أحداً منهم جنة ولا ناراً): يريد: أنا لا نقول عن أحد معين من أهل القبلة: إنه من أهل الجنة أو من أهل النار].

يعني: على سبيل الجزم، ينبغي أن يفهم هذا؛ لأنه يجب أن نفرق بين الحكم العام، وبين الحكم على المعين أو للمعين.

أما الحكم العام بأن المؤمنين من أهل الجنة فهذا نجزم به إن شاء الله، ونشهد أن المسلمين والمؤمنين من أهل الجنة، هذا حكم عام قطعي، ولا شك فيه، وأن الكفار الخلص من أهل النار، وهذا أيضاً حكم قطعي يجب أن يعتقده كل مسلم.

ومن الأمور التي قد تخفى على كثير من الناس اليوم -بل اختلط فيها بعض من يدعون الثقافة والفكر والعلم أحياناً- مسألة الكفار الخلص، فالكفار الخلص لاشك أنهم من أهل النار، فاليهود والنصارى والمشركون والمنافقون الخلص والملاحدة من أهل النار جزماً، هذا الحكم العام، فنجزم بأنهم من أهل النار كما نجزم بأن المسلمين المؤمنين هم أهل الجنة، فالحكم العام أمر لا بد من اعتقاده.

لكن الحكم على المعين هو الذي يجب أن يتحرز فيه المسلم، وهو أن تقول: فلان ابن فلان من المسلمين من أهل الجنة جزماً، تعتقد ذلك وتقسم عليه، فهذا لا يجوز، وكذلك العكس، فلا تجزم بأن فلاناً ابن فلان -وإن كان كافراً خالصاً- من أهل النار، بحيث تتألى على الله عز وجل، أو تقسم على ذلك، فهذا مما لا يجوز.

إذاً: فرق بين الحكم العام الذي هو قطعي، وبين الحكم على المعين الذي هو أمر غيبي لا يعلمه إلا الله عز وجل.

وقد ميز الله بين المسلمين والكفار، وبين من يستحق الجنة ومن يستحق النار، لكن يبقى التخصيص في المسلمين هل كلهم يدخلون الجنة من أول وهلة أم أن منهم من قد يدخل النار -وهم أهل الكبائر إذا لم يغفر الله لهم- ثم يخرجون من النار إلى الجنة؟ هذا أمر تفصيلي معلوم، لكن مصير جميع المسلمين في الجملة إلى الجنة، ومصير جميع الكفار في الجملة إلى النار، ويبقى المعين، فهذا أمر لا بد فيه من الاطلاع على الغيب، ولا يطلع على الغيب إلا الله عز وجل، إلا من ورد ذكره بالنص، فمن شهد له الله عز وجل أو شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة وجبت الشهادة له، ومن جاءت الشهادة له بالنار -عياذاً بالله- وجبت الشهادة له بذلك إذا ذكر تعيينه.

قال رحمه الله تعالى: [يريد أنا لا نقول عن أحد معين من أهل القبلة: إنه من أهل الجنة أو من أهل النار، إلا من أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، كالعشرة رضي الله عنهم، وإن كنا نقول: إنه لا بد أن يدخل النار من أهل الكبائر من يشاء الله إدخاله النار، ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين، ولكنا نقف في الشخص المعين، فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم؛ لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به، لكن نرجو للمحسنين، ونخاف على المسيء].