قال رحمه الله تعالى:[وأما النصارى القائلون بالتثليث؛ فإنهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل هم متفقون على أن صانع العالم واحد، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد.
وقولهم في التثليث متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه، وفي التعبير عنه، لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد، فإنهم يقولون: هو واحد بالذات، ثلاثة بالأقنوم! والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص، وتارة بالصفات، وتارة بالأشخاص، وقد فطر الله العباد على فساد هذه الأقوال بعد التصور التام، وبالجملة فهم لا يقولون بإثبات خالقين متماثلين].
هذه العبارات في الكلام على عقيدة التثليث، والكلام عن التثليث لا يحتاج إلى مزيد بيان؛ لأن الشارح بينه، لكن هناك بعض العبارات هي مظنة الإشكال.
وأما قول النصارى بأن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة؛ فهذا أمر يصادم العقل، لذلك تقوم عقيدتهم على تنشئة النصراني على أن يطفئ سراج عقله، وهناك قاعدة ترجمتها: أطفئ سراج عقلك واعتقد، اعتقد ولا تستعمل عقلك؛ لأن الإنسان إذا استعمل عقله لا يمكن أن يعتقد الثلاثة واحداً والواحد ثلاثة مهما كان الحال، وهذا لا يتأتى بكل المعاني العقلية والحسابية، ولكنهم أحياناً يوهمون الآخرين بتفسيرات أخرى، فيقولون: هو واحد بالذات ثلاثة بالأقنوم، ويقصدون بهذا: أن الله يمكن أن يكون واحداً، لكن يظهر بثلاثة مظاهر، وهذه المظاهر قد تكون خصائص تركيبية، كأن يكون ينقسم الإله إلى الإنسانية وهي الناسوت، أي: الجانب الإنساني، والإلهية، وهي اللاهوت، أي: الجانب الإلهي، والمزج بينهما، وهو روح القدس، وهو الجمع بين الإنسانية والإلهية، وهذه فلسفة لا تعدو أن تكون تسويغاً للشرك.