قال رحمه الله تعالى: [قوله: (والإيمان: هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان)، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق، والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى].
هذه العبارات في الحقيقة جارى فيها الشيخ الطحاوي رحمه الله مذهبه وشيوخه الأحناف، وإن كان حاول أن يقرب بعض الألفاظ إلى المعاني التي يقول بها أهل السنة والجماعة، إلا أنه بقي في بعض عباراته شيء من الإشكال.
فقوله:(والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان) ليس هو التعريف الكامل للإيمان، فقد بقي العمل بالجوارح، أي أنه مال إلى قول المرجئة.
وقوله:(وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق) هذا فيه تلميح إلى قول أبي حنيفة ومرجئة الفقهاء رحمهم الله، فإنهم يقولون: إن الأعمال تخرج من مسمى الإيمان، لكنها تلزم العبد؛ لأنها أوامر ونواه، ويترتب على فعلها الثواب وعلى تركها الوعيد والعقاب.
وقوله:(والإيمان واحد وأهله في أصله سواء) فيه تعبير عن مذهب المرجئة، وكأنه يشير إلى أن الإيمان هو التصديق والقول.
والسلف في الحقيقة يرون أن الإيمان متعدد؛ لأن الإيمان هو معانٍ وحقائق تتفاوت، كالتصديق والإذعان والخشية والتقوى والخوف والرجاء ونحو ذلك من المعاني القلبية، وكذلك يتعدد في الأمور العملية، فأعمال الجوارح كلها تدخل في مسمى الإيمان، وهي متعددة وتتفاوت زيادة ونقصاً، وتتفاضل بحسب النية وما يقر في القلب، وتتفاضل أيضاً بنوعها وكمها، وهذا التفاضل في أعمال القلب وفي أعمال الجوارح لا يتماشى مع التعبير بأن الإيمان واحد وأهله في أصله سواء.
كما أن قوله:(وأهله في أصله سواء) متابعة للمرجئة في أن المؤمنين على درجة واحدة من الإيمان، إنما يتفاوتون في الأعمال على اعتبار أن الأعمال عند هؤلاء لا تدخل في مسمى الإيمان، وكذلك قوله:(والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى) يقصد بذلك أن التفاضل معنوي ولا يكون حسياً، وهو بهذا أيضاً يميل إلى قول المرجئة بأن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان على الأقل في ظاهر اللفظ، وإن كان الشارح ابن أبي العز رحمه الله حاول أن يجر هذه العبارات إلى مذهب أهل السنة والجماعة بشيء من التكلف، والله أعلم، وسيتضح هذا من خلال ما سيذكره.