للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علاقة العقل بالأدلة الشرعية وحدوده معها]

السؤال

ما هي حدود العقل مع الأدلة الشرعية؟ وكيف نقول: إننا نكتفي بالدليل والعقل تابع له، ونحن لا يمكن أن نفهم الدليل أو نعرف معناه إلا باستخدام العقل، ولو نظرنا إلى الدليل بدون عقل فإن نظرنا لا فائدة منه؟

الجواب

هذا سؤال مهم، وجدير بالعناية، وسيأتي في الطحاوية في دروس قادمة بإذن الله، ولكن نقول في هذا: إن العقل هو وسيلة الفهم، وهو وسيلة الإدراك، وهو مناط التكليف، فلا يكلف إلا عاقل، فمن هنا كان العقل هو الوسيلة لفهم الشرع، بل هو وسيلة لفهم العقيدة بمعنى الإيمان بها، لكن كونه وسيلة لا يعني أنه هو الأصل؛ لأن العقل هو الدليل، لكن المدلول أكبر من الدليل، فنظرك يدلك على الشمس، فهل النظر أكبر من الشمس؟ الشمس موجودة، سواء وجد نظرك أو لم يوجد، وسواء ملكت الوسيلة أو لم تملكها، والخلق دال على الخالق، والخالق سبحانه وتعالى موجود سواء وجد الخلق أو لم يوجد.

فالخلق هو وسيلة لمعرفة الخالق، لكن ليس وجود الخالق متوقفاً على وجود الخلق، والإيمان بالخالق لا يتوقف على النظر في المخلوقات، إنما هو من وسائل الإيمان بالخالق، والعقل كذلك، فالعقل وسيلة إلى معرفة الثوابت واليقينيات بقدر ما يستطيعه.

وقد أورد الشارح مثلاً جيداً للعقل مع النقل يبين أن العقل دليل على الحقائق، لكن الدليل لا يكون أكبر من المدلول، حيث يقول: لو أنا افترضنا أن هناك ثلاثة أشخاص، أحدهم عالم، وهو الذي يملك العلم اليقيني، والثاني: جاهل يحتاج إلى من يرشده، والثالث: دليل يدل على العالم، فلو أن إنساناً من العامة سأل الدليل فقال: في نفسي سؤال أريد أن ترشدني إلى من يدلني.

فهذا المرشد سيدل السائل على العالم، فلو أنه وصل إلى العالم فسأله فأجابه على المسألة بدليلها، فهل يملك الدليل أن يقول: أنا أفتيك بغير فتوى العالم؛ لأني أرشدتك إليه؟! فهذا لا يمكن؛ إذ كونه دليلاً لا يدل على أنه أقوى من المدلول عليه.

إذاً: فالعقل إنما هو وسيلة، والوسيلة ليست هي كل شيء.