[بيان لزوم عبادة الله تعالى بالحب والخوف والرجاء وخطر العبادة ببعض ذلك]
قال رحمه الله تعالى:[وقال بعضهم: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد].
هذه الكلمة سارت واشتهرت عند الأئمة، لكنهم ما أسندوها إلى أحد بعينه، وهي قاعدة عظيمة: فقولهم: (من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق) يعني أنه يقع في الإعراض عن دين الله عز وجل، فمن غالى في الإرجاء وقع في الزندقة التي هي ترك الدين والإعراض عنه.
وقولهم:(ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري) الحروري هو الخارجي؛ لأن الخوارج يميلون إلى التشدد، والخوارج سموا حرورية نسبة إلى حروراء ذلك الموضع الذي انحازوا إليه لما افترقوا عن جماعة المسلمين في عهد علي رضي الله عنه، فسمي كل من نزع هذه النزعة حرورياً، يعني أنه غلب جانب الخوف وغلب نصوص الوعيد وترك نصوص الوعد فشدد على نفسه وعلى غيره.
وقولهم:(ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ) هذا يدخل في الأول لكنه أخف من الأول؛ لأن من عبد الله بالحب هو الذي لا يبالي بالشرع أبداً، يعرض عن الشرع بالكلية، وأغلب الذين يسلكون هذا المسلك نجدهم من زنادقة الفلاسفة وغلاة الصوفية، وأما الإرجاء -ما عدا إرجاء الجهمية- فهو في الغالب نوع من الإخلال بالشرع فقط، فلا يعد الإرجاء كله زندقة أو إعراضاً عن دين الله، فإرجاء الفقهاء المشهور هذا قد يقصر صاحبه في بعض الأعمال وليس في كلها.
قال رحمه الله تعالى:[ولقد أحسن محمود الوراق في قوله: لو قد رأيت الصغير مَنْ عمل الخير ثواباً عجبت من كبره أو قد رأيت الحقير من عمل الشر جزاءً أشفقت من حذره].