للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دين الإسلام بين الجبر والقدر]

قال رحمه الله تعالى: [وقوله: (وبين الجبر والقدر): تقدم الكلام أيضاً على هذا المعنى، وأن العبد غير مجبور على أفعاله وأقواله، وأنها ليست بمنزلة حركات المرتعش، وحركات الأشجار بالرياح وغيرها، وليست مخلوقة للعبد، بل هي فعل العبد وكسبه وخلق الله تعالى].

هذا فيه إشارة إلى مذهبين متفاضلين كلاهما في القدر، والحقيقة كل الأمر يرجع إلى القول في القدر، فمن أصول الجهمية الكبرى القول بالجبر، ويقصدون بالجبر أن الإنسان مجبور على أفعاله، ليس له فيها أي إرادة ولا حرية ولا تكليف، حتى يسقطون التكليف عن العباد، ومذهب الجهمية انتقل بعد القرن الثالث وما بعده إلى أكثر طرق الصوفية، وهو عند بعض أهل الأهواء، وبعض النزعات العقلانية ونحوها.

ومذهب القدرية الأولى قضية معبد الجهني وغيلان الدمشقي، ثم قضية المعتزلة، والكلام كله يتعلق بالقدر، لكن سمي هذا بالجبر؛ لأنه يلغي اعتبار قدرة الإنسان، ويقول بأنه مجبور على الفعل، أما قول القدرية فهم يزعمون أن الإنسان مقدر أفعاله، أو أنه خالق أفعاله أو بعض أفعاله، بعضهم قد يقول: إن الإنسان يقدِّر جميع الأفعال، وبعضهم يقول: إن الإنسان هو الذي أوجد أفعال الشر، ولم يكن لله عز وجل فيها تقدير، وهذا ما عليه متأخرة المعتزلة وليس كلهم، لكن عليه عموم المعتزلة.