غبيّ مَنْ يظن أن الدنيا هي نهاية المطاف، وأنها الغاية التي ليس بعدها غاية؛ لأن الجميع عبيدٌ لله تعالى متساوون. . ومع ذلك نرى مَنْ يموت في بطن أمه، ومَنْ يموت بعد عدة شهور، وآخر بعد عدة أعوام، فلو أن الدنيا هي الغاية لاستوى الجميع في المكْث فيها، فاختلاف الأعمار في الدنيا دليل على أنها ليست غاية.
وعجيب في أمر الموت أن نرى الناس يحزنون كثيراً على مَنْ مات صغيراً ويقولون: أُخِذ في شبابه ويُكثِرون عليه العويل، لماذا؟ يقولون: لأنه لم يتمتع بالدنيا، سبحان الله أي دنيا هذه التي تتحدثون عنها، وقد اختاره الله قبل أنْ تُلوّثه آثامها وتُلطّخه ذنوبها، لماذا تحزنون كل هذا الحزن ولو رأيتم ما هو فيه لحسدتموه عليه؟
والناس كثيراً ما يُخطِئون في تقدير الغايات؛ لأن كل حَدَث يُحدِثه الإنسان له غاية من هذا الحدث، هذه الغاية مرحلية وليست نهائية، فالغاية النهائية والحقيقية ما ليس بعدها غاية أخرى، فالتلميذ يذاكر بالمرحلة الابتدائية لينتقل إلى المرحلة الإعدادية، ويذاكر الإعدادية لينتقلَ إلى الثانوية.
وهكذا تتوالى الغايات في الدنيا إلى أنْ يصل إلى غاية الدنيا الأخيرة، وهي أن يبني بيتاً ويتزوج ويعيش حياة سعيدة يرتاح فيها بما تحت يديه من خدم، يقضون له ما يريد، هذا على فرض أنه سيعيش حتى يكمل هذه المراحل، ولكن ربما مات قبل أنْ يصلَ إلى هذه الغاية.
إذن: فلا بد للإنسان أنْ يتعبَ أولاً، ويبذل المجهود ليصبح مخدوماً، وهذه المخدومية تتناسب مع مجهودك الأول، فَمن اكتفى