{إِن لَّبِثْتُمْ} أي: أقمتُم في الدنيا، أو في قبوركم؛ لأن الدنيا متاع قليل، وما دامتْ انتهت فلن يبقى منها شيء. وكذلك في القبور؛ لأن الميت في قبره شِبْه النائم لا يدرك كم لَبِثَ في نومه، ولا يتصوّر إلا النوم العادي الذي تعوّده الناس.
ولذلك كل مَنْ سُئِل في هذه المسألة: كم لبثتم؟ قالوا: يوماً أو بعض يوم، فهذا هو المعتاد المتعارف عليه بين الناس، ذلك لأن الشعور بالزمن فرع مراقبة الأحداث، والنوم والموت لا أحداثَ فيها، فكيف إذن سنراقب الأحداث والملَكة الواعية مفقودة؟
وقد قال تعالى في آية أخرى:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات: ٤٦]
أي: لم يكُنْ لدينا وَعْيٌ لنعُدّ الأيام، فاسأل العَادّين الذين يستطيعون العدَّ.
وفي قصة العزيز الذي أماته الله مائة عام، ثم بعثه:{قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. .}[البقرة: ٢٥٩] على مُقْتضى العادة التي أَلفَها في نومه، فيُوضِّح له ربه:{بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فانظر إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وانظر إلى حِمَارِكَ}[البقرة: ٢٥٩]
فالمدّة في نظر العزيز كانت يوماً أو بعض يوم، والحق سبحانه أخبر أنها مائة عام، فالبَوْنُ شاسع بينهما، ومع ذلك فالقوْلاَن