لقد كانوا في مرحلة لا يستطيعون فيها الدفاع عن أنفسهم، فالضعيف منهم عاجز عن المواجهة، والقوي منهم لا يستطيع حماية الضعيف؛ لأنه كان يذهب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيقترح عليه الرد على الكفار ومواجهتهم بكذا وكذا، فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول لهم:«لم أومر، لم أومر. .» . .
لأن الله تعالى أراد أَلاَّ يبقي للإيمان جندي إلا وقد مَسَّه العذاب، وذاق ألوان الاضطهاد ليربي فيهم الصبر على الأذى وتحمُّل الشدائد؛ لأنهم سيحملون رسالة الانسياح بمنهج الله في الأرض، ولا شكَّ أن القيام بمنهج الله يحتاج إلى صلابة وإلى قوة، فلا بُدَّ من تمحيص المؤمنين، لذلك حدث للإسلام في عصر النبوة أحداث وشدائد، ومرَّت به عقبات مثل تعذيب المؤمنين وإيذائهم وحادث الإسراء والمعراج.
وكانت الحكمة من هذه الأحداث تمحيص المؤمنين وغربلة المنتسبين لدين الله، حتى لا يبقى إلا القوي المأمون على حَمْل منهج الله، والانسياح به في شتَّى بقاع الأرض، وحتى لا يبقى في صفوف المؤمنين مَنْ يحمل راية الإيمان لمغنَم دنيوي، فالغنيمة في الإسلام ليست في الدنيا بل في جنة عَرْضُها السماوات والأرض.
لذلك، ففي بيعة العقبة الثانية قالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: سل يا محمد لربك ما شئت، ثم سل لنفسك بعد ذلك ما شئت، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله وعليكم إذا فعلنا ذلك. «قال: أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ فماذا قال لهم رسول الله؟ أقال لهم تملكون الدنيا؟