إلى النظر والتدبر واثق من حُسْن بضاعته، كالتاجر الصدوق الذي يبيع الجيد من القماش مثلاً، فيعرض عليك بضاعة في ثقة، ويدعوك إلى فحصها، وقد يشعل النار لِيُريك جودتها وأصالتها.
ولو أراد الحق سبحانه أن يأخذنا هكذا على جهل وعمى ودون تبصُّر ما دعانا إلى التفكُّر والتدبُّر.
وهكذا الشيطان لا يُمنّيك ولا يُزيّن لك إلا إذا صادف منك غفلة، إنما لو كنت متيقظاً له ومُسْتصحباً للعقل، عارفاً بحيله ما استطاع إليك سبيلاً، ومن حيله أن يُزيِّن الدنيا لأهل الغفلة ويقول لهم: إنها فرصة للمتعة فانتهزها وَخذْ حظك منها فلن تعيش مرتين، وإياك أن تُصدّق بالبعث أو الحساب أو الجزاء.
وهذه وساوس لا يُصدّقها إلا مَنْ لديه استعداد للعصيان، وينتظر الإشارة مجرد إشارة فيطيع ويقع فريسة لوعود كاذبة، فإنْ كان يوم القيامة تبرّأ إبليس من هؤلاء الحمقى، وقال:{إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}[إبراهيم: ٢٢]
إذن: في الآيتين السابقتين خمسة أوامر لإبليس: اذهب، استفزز، وأَجْلب، وشاركهم، وعِدْهم. وهذه الأوامر ليست لتنفيذ مضمونها، بل للتهديد ولإظهار عجزه عن الوقوف في وجه الدعوة،