عِلْمه تعالى بما سيصل إليه العالم من تقدم، وما ستصل إليه صناعة السفن من رقيّ يصل بها إلى أنْ تكونَ كالجبال، وإلاّ ففي زمن نزول القرآن لم يكُنْ هناك بوارج عالية كهذه، إنها لم توجد إلا بعد قانون أرشميدس الذي تُبْنَى على أساسه هذه البوارج.
لكن مع كل هذا التقدم في مجال الملاحة البحرية لا نغفل أن القدرة الإلهية هي التي تُسيِّر هذه السفن، وتحملها بأمان على صفحة الماء، ويجب أَلاّ يغتَرّ الإنسان بما توصّل إليه من العلوم، ويظن أنه أصبح مالكاً لزمام الأمور في الكون؛ لأن الحق سبحانه يقول:{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ}[الشورى: ٣٣]
والريح هي الأصل في تسيير السفن.
فإنْ قال قائل الآن: إنْ توقف الريح استخدمنا القوى الأخرى مثل البخار أو الكهرباء. نقول: لقد أخذت الريح على أنه الهواء فقط، إنما لو نظرتَ إلى كلمة الريح، وماذا تعني لوجدتَ أن معنى الريح القوة المطلقة أيّاً كان نوعها، بدليل قَوْل الحق سبحانه وتعالى:{وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ. .}[الأنفال: ٤٦] إذن: الريح هو القوة المطلقة.
فمعنى:{يُسْكِنِ الريح. .}[الشورى: ٣٣] يُسكِن القوة المحرّكة للسفن أيّاً كانت هذه القوة: قوة الريح أو البخار أو الكهرباء أو غيرها من القوى، فإنْ شاء سبحانه تعطَّلَتْ كُلُّ هذه القوى.
ثم يقول الحق سبحانه:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ... } .