إذن: سُمّي القرآن، وسُمّي المَلك النازل به روحاً؛ لأنه سيعطي حياة أطول هي حياة القيم في الآخرة.
وهنا يقول تعالى:{قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي. .}[الإسراء: ٨٥]
أي: أن هذا من خصوصياته هو سبحانه، وطالما هي من خصوصياته هو سبحانه، فلن يطلع أحداً على سِرِّها. وهل هي جوهر يدخل الجسم فيحيا ويسلب منه فيموت، أم هي مراد (بكُنْ) من الخالق سبحانه، فإنْ قال لها كُنْ تحيا، وإنْ قال مِتْ تموت؟
إنّ علم الإنسان سيظل قاصراً عن إدراك هذه الحقيقة، وسيظل بينهما مسافات طويلة؛ لذلك قال تعالى بعدها:{وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء: ٨٥]
وهل عرف العقل البشري كل شيء حتى يبحث في أسرار الروح؟!
ولما تعرَّض أحد رجال الصوفية للنقد، واعترض عليه أحد الأشخاص فقال له الصوفي: وهل أَحَطْتَ عِلْماً بكل شيء في الكون؟ قال الرجل: لا، قال: فأنا من الذي لا تعلم.
والحق سبحانه وتعالى حينما يعطينا فكرة عن الأشياء لا يعطينا بحقائق ذاتها وتكوينها؛ لأن أذهاننا قد لا تتسع لفهمها، وإنما يعطينا بالفائدة منها. فحين حدثنا عن الأهِلّة قال:{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج. .}[البقرة: ١٨٩]
وهذه هي الفائدة التي تعود علينا والتي تهمنا من الأَهِلّة، أما حركتها ومنازلها والمراحل التي تمر بها الأَهِلّة فأمور لا يضر الجهل بها؛ ذلك لأن الاستفادة بالشيء ليستْ فرعاً لفهم حقيقته، فالرجل