وعن الهداية يقول الحق سبحانه:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى. .}[فصلت: ١٧]
أي: دَلَلْناهم على الطريق المستقيم، لكنهم استحبُّوا العمى والضلال على الهدى، فمنع الله عنهم معونته وتوفيقه.
والحق سبحانه يخاطب رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأسلوبين قرآنيين يوضِّحان هذيْن النوعيْن من الهداية، يقول تعالى:{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ. .}[القصص: ٥٦]
فنفى عن رسول الله هداية التوفيق والمعونة؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يملكها، وفي آية أخرى قال تعالى:{وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الشورى: ٥٢]
فأثبتَ له هداية البيان والدلالة؛ لأن هذه هي مهمته كمبلِّغ عن الله، وهكذا أثبتَ له الحدث ونفاه عنه؛ لأن الجهة مُنفكَّة أي: أن جهة الإثبات غير جهة النفي، كما في قوله تعالى:{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا. .}[الروم: ٦ - ٧]
فمرة: نفَى عنهم العلم، ومرة أخرى: أثبتَ لهم العلم. والمراد أنهم لا يعلمون حقائق الأمور، ولكنهم يعلمون العلوم السطحية الظاهرة منها. ونحن نكرّر مثل هذه القضايا لكي تستقرّ في النفس الإنسانية، وفي مواجيد المتدينين فينتفعوا بها.
ومن ذلك أيضاً قول الحق سبحانه:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى. .}[الأنفال: ١٧]