للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْنٌ من العذاب؛ لأن استدامة الشيء يُوطِّن صاحبه عليه، واستدامة العذاب واستمراره يجعلهم في إِلْف له، فإنْ خَبتِ النار أو هدأتْ فترةً فإنهم سيظنون أن المسألة انتهت، ثم يُفاجئهم العذاب من جديد، فهذا أنكَى لهم وآلم في تعذيبهم.

وهذا يُسمُّونه في البلاغة «اليأس بعد الإطماع» ، كما جاء في قول الشاعر:

فَأصْبَحْتُ مِنْ لَيْلَى الغَداةَ كَقَابِضٍ ... عَلَى المَاء خَانَتْهُ فُرُوجُ الأَصَابِع

في السجون والمعتقلات يحدث مثل هذا، فترى السجين يشتد به العطش إلى حَدٍّ لا يطيقه، فيصيح بالحارس ويتحنن إليه ويرجوه كوباً من الماء، فيأتي له بكوب الماء حتى يكون على شَفَتَيْه، ويطمع في أنْ يبلّ ريقه ويطفئ غُلَّته، فإذا بالحارس يسكبه على الأرض، وهذا أنكى وأشدّ في التعذيب.

وقد عبر الشاعر عن هذا المعنى بقوله:

كَمَا أبرقَتْ قَوْمَاً عِطَاشاً غَمَامَةٌ ... فَلَمَّا رَجَوْهَا أقْشَعَتْ وتَجلَّتِ

أي: ساعة أَنْ رأوْهَا، واستشرفوا فيها الماء إذا بها تنقشع وتتلاشى، وتُخيِّب رجاءهم فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>