العصور، وقد أنزل الله لهم الآيات الواضحات والمعجزات الباهرات ومع ذلك كفروا ولجُّوا ولم يؤمنوا، فقوم فرعون رَأَوْا من موسى تسع آيات وكفروا، وقوم صالح:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا. .}[الإسراء: ٥٩] ولَيْتهم كذَّبوا وكفروا بهذه الآية فحَسْب، بل واعتدَوْا عليها وعقروها.
لذلك قال تعالى:{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات. .}[الإسراء: ٥٩] أي: التي اقترحوها {إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون. .}[الإسراء: ٥٩] وما دام كذَّب بها الأولون فسوف يُكذِّب بها هؤلاء؛ لأن الكفر مِلَّة واحدة في كل زمان ومكان.
إذن: مسألة طلب الآيات واقتراح المعجزات ليستْ في الحقيقة رغبة في الإيمان، بل مجرد عناد ولَجَج ومحاولة للتعنُّت والجدَل العقيم لإضاعة الوقت.
ثم يقول تعالى:{فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ}[الإسراء: ١٠١] أي: بعد أنْ رأى الآيات كلها: {إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً}[الإسراء: ١٠١] فاتهمه بالسحر بعد أنْ أراه كُلَّ هذه الدلائل والمعجزات.
وكلمة {مَسْحُوراً}[الإسراء: ١٠١] اسم مفعول بمعنى سحره غيره، وقد يأتي اسم المفعول دالاً على اسم الفاعل لحكمة، كما في قوله تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً}[الإسراء: ٤٥]
والحجاب يكون ساتراً لا مستوراً، لكن الحق سبحانه جعل الحجاب نفسه مستوراً مبالغة في السَّتْر، كما نبالغ نحن الآن في استعمال الستائر، فنجعلها من طبقتين مثلاً.