لماذا؟ لأنك حين تُقدِم على أيِّ فعل تحتاج أولاً إلى حكمة لتعرف من خلالها لماذا تفعل، وتحتاج إلى قدرة تُعينك على إنجازه، وتحتاج إلى علم بمصير هذا الفعل وعاقبته، إذن: تحتاج إلى صفات كثيرة، فحين تُقبِل على العمل لا تَقُل: يا حكيمُ يا قادرُ يا عليمُ، إنما الحق سبحانه يُريحك، ويكفي أن تقولَ في الإقدام على الفعل: باسم الله.
لأنك ذكرتَ الاسم الجامع لكلِّ صفات الكمال.
{أَوِ ادعوا الرحمن. .}[الإسراء: ١١٠] واختار الرحمن دون الجبار أو القهار؛ لأن الرحمة صفة التحنين للخلق، فالحق سبحانه وتعالى يُظهِر هذه الصفة لعباده حتى في أسماء الجبار والقهار؛ لأنها من خَدَم الرحمة ومن أسبابها؛ لأن العبد إذا عرف لله: صفة الجبروت، وصفة القهر، وصفة الانتقام انتهى عن أسباب الوقوع تحت طائلة هذه الصفات، فكأنه يرحم عباده حتى بصفات القهر والانتقام.
ومن هذا قول الحق تبارك وتعالى:{وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ ياأولي الألباب. .}[البقرة: ١٧٩] لأنه إذا علم القاتل أنه سيُقتل انتهى عن القتل. وفي الأثر:«القتل أنْفَى للقتل» .
إذن: فتشريع القصاص وإقامة الحدود والعقوبات لا لتعذيب الخلق، وإنما رحمة بهم حتى يقفوا بعيداً عن ارتكاب ما يُوجِب القصاص أو الحد أو العقوبة، حتى الذي يقهره الله مرحوم أيضاً؛ لأنه ما دام قال: أنا قهار. فاحذرني، فهو بذلك يرحمه لأنه يُحذِّره من أسباب الوقوع فيما يستوجب غضبه وانتقامه.
وكذلك اختار اسم {الرحمن} لأن مجال التكليف كله الرحمة، وما نزل المنهج من الله إلا لينظم حياة الناس ويُحقِّق لهم السعادة في