للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولعل غيرك في هذا الوقت يريد أن يقرأ هو الآخر، أو يستغفر، أو يُسبِّح أو يصلي، فكيف تجعل الأمر المندوب عندك حاكماً على غيرك؟ هذا لا يجوز، بل اترك الناس وشئونهم فكل منهم حُرّ فيما ينتفّل به، ولا تكُنْ من الذين قال الله في حقهم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: ١٠٣ - ١٠٤]

كالذي يُشعِل الميكروفون قبل صلاة الفجر، ويأخذ في إنشاد كلام ما نزل به الشرع، يزعج به الناس، ويُقلق به المريض، ولا يراعي للناس حُرْمة. فمتى يفيق المسلمون؟ ومتى ينتبهون إلى هذه البدع التي تُشوِّش على الناس وتُفسِد عليهم عبادتهم؟

أما إنْ كان رَفْع الصوت بالقرآن لغرض دنيوي ومكْسَب شخص، وأن نجعل الأمر مَعْرضاً للأصوات، ومِضْماراً للسباق، إنْ كان الأمر استغلالاً للدين لحساب الدنيا والعياذ بالله، فقد دخل صاحبه في شريحة أخرى من الإثم، عافانا الله وإياكم.

والحق سبحانه يقول: {وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً} [الإسراء: ١١٠]

أي: بين الجهر والإسرار، واسلك سبيل الوسطية التي جاء بها الشرع، وتأسّ برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حينما كان يتفقد الصحابة ليلاً فوجد أبا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يقرأ، ولا يكاد يسمع صوته، فلما سأله. قال: يا رسول الله، أناجي ربي وهو عالم بي، فلما ذهب إلى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وجده يقرأ بصوت عالٍ، فلما سأله قال: يا رسول الله أزجر به الشيطان. عندها أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أبا بكر أنْ يرفع

<<  <  ج: ص:  >  >>