وإن أخذتها لأن الملائكة تجتمع فيها فهي في طرفي النهار والليل فذلك يعني صلاة العصر أو صلاة الصبح. إذن، فالوسط يأتي من الاعتبار الذي تُحسب به إن كان عدداً أو تشريعا، أو عدد ركعات، أو سرية أو جهرية أو بحسب نزول ملائكة النهار والليل، وكل اعتبار من هؤلاء له حكم.
ولماذا أخفى الله ذكرها عنا؟ نقول: أخفاها لينتبه كل منا ويعرف أن هناك فرقا بين الشيء لذاته، والشيء الذي يُبهم في سواه؛ ليكون كل شيء هو الشيء فيؤدي ذلك إلى المحافظة على جميع الصلوات.
فما دامت الصلاة الوسطى تصلح لأن تكون الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء فذلك أدعى للمحافظة على الصلوات جميعا. فإبهام الشيء إنما جاء لإشاعة بيانه. ولذلك أبهم الله ليلة القدر للعلة نفسها وللسبب نفسه، فبدل أن تكون ليلة قدر واحدة أصبحت ليال أقدار.
كذلك قوله تعالى:{حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} أي على الصلوات الخمس بصفة عامة وكل صلاة تنفرد بصفة خاصة. ويريد الحق سبحانه أن نقوم لكل صلاة ونحن قانتون، والأمر الواضح هو {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} وأصل القنوات في اللغة هو المداومة على الشيء، وقد حضر وحث القرآن الكريم على ديمومة طاعة الله ولزوم الخشوع والخضوع، ونرى ذلك في قول الحق الكريم:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اليل سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب}[الزمر: ٩]
إن الحق سبحانه يبلغ رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليبلغنا نحن المسلمين المؤمنين برسالته أن نقارن بين الذي يخشع لله في أثناء الليل فيقضيه قائماً وساجداً يرجو رحمة ربه، وبين الذي يدعو ربه في الضراء وينساه في السراء، هل يستوي الذين يعلمون حقوق الله فيطيعوه ويوحدوه والذين لا يعلمون فيتركوا النظر والتبصر في أدلة قدرات