توجيهي حسْب أهوائكم فقد انقلبتْ المسألة، ودعوتكم لي أن أنصرف عن هؤلاء الذين يدعُون ربهم بالغداة والعشيّ وأتوجه إليكم، فهذا دليل على عدم صِدْق إيمانكم، وأنكم لستم جادِّين في اتباعي؛ لذلك فلا حاجة بي إليكم.
ثم يقول تعالى:{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ. .}[الكهف: ٢٩] أي: ادخلوا على هذا الأساس: أن كل حَقٍّ ينزل من الله، لا أن آخذ الحق منكم، ثم أردّه إليكم، بل الحق الذي أرسلني الله به إليكم، وعلى هذا مَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر.
والأمر في هذه الآية سبق أنْ أوضحناه فقلنا: إذا وجدنا أمراً بغير مطلوب فلنفهم أن الأمر استُعمِل في غير موضعه، كما يقول الوالد لولده المهمل: العب كما تريد، فهو لا يقصد أمر ولده باللعب بالطبع، بل يريد تهديده وتأنيبه.
وهكذا في:{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ. .}[الكهف: ٢٩] وإلا لو أخذتَ الآية على إطلاقها لَكانَ مَنْ آمن مطيعاً للأمر: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن. .}[الكهف: ٢٩] والعاصي أيضاً مطيع للأمر: {وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ. .}[الكهف: ٢٩] فكلاهما إذن مطيع، فكيف تُعذِّب واحداً دون الآخر؟
فالأمر هنا ليس على حقيقته، وإنما هو للتسوية والتهديد، أي: سواء عليكم آمنتم أم لم تؤمنوا، فأنتم أحرار في هذه المسألة؛ لأن الإيمان حصيلته عائدة إليكم، فالله سبحانه غنيّ عنكم وعن إيمانكم، وكذلك خَلْق الله الذين آمنوا بمحمد هم أيضاً أغنياء عنكم، فاستغناء الله عنكم مَسْحوب على استغناء الرسول، وسوف ينتصر محمد وينتشر دين الله دونكم.