وعجبتُ لمن اغتمَّ لأن الغَمَّ انسداد القلب وبلبلة الخاطر من شيء لا يعرف سببه وعجبتُ لمن اغتمَّ ولم يفزع إلى قول الله تعالى:{لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين}[الأنبياء: ٨٧] فإني سمعت الله بعقبها يقول: {فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم}[الأنبياء: ٨٨] ليس هذا وفقط، بل:{وكذلك نُنجِي المؤمنين}[الأنبياء: ٨٨] وكأنها (وصْفة) عامة لكل مؤمن، وليست خاصة بنبيّ الله يونس عليه السلام.
فقوْل المؤمن الذي أصابه الغم:{لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ. .}[الأنبياء: ٨٧] أي: لا مفزع لي سواك، ولا ملجأ لي غيرك {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين. .}[الأنبياء: ٨٧] اعتراف بالذنب والتقصير، فلعل ما وقعتُ فيه من ذنب وما حدث من ظلم لنفسي هو سبب هذا الغم الذي أعانيه.
وعجبتُ لمن مُكر به، كيف لا يفزع إلى قول الله تعالى:{وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله. .}[غافر: ٤٤] فإني سمعت الله بعقبها يقول: {فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ. .}[غافر: ٤٥] فالله تبارك وتعالى هو الذي سيتولى الرد عليهم ومقابلة مكرهم بمكره سبحانه، كما قال تعالى:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين}[آل عمران: ٥٤]
وعجبتُ لمن طلب الدنيا وزينتها صاحب الطموحات في الدنيا المتطلع إلى زخرفها كيف لا يفزع إلى قوله تعالى:{مَا شَآءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله. .}[الكهف: ٣٩] فإني سمعت الله بعقبها يقول: {فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ}[الكهف: ٤٠]
فإن قلتها على نعمتك حُفظتْ ونمَتْ، وإن قلتها على نعمة الغير أعطاك الله فوقها.