ثم يُصوِّر الحق سبحانه ندم صاحب الجنة وأَسَفه عليها:{فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا}[الكهف: ٤٢] أي: يضرب كَفّاً بكفٍّ، كما يفعل الإنسان حينما يفاجئه أمر لا يتوقعه، فيقف مبهوتاً لا يدري ما يقول، فيضرب كفّاً بكفٍّ لا يتكلم إلا بعد أن يُفيق من هَوْل هذه المفاجأة ودَهْشتها.
ويُقلِّب كفَّيْه على أيِّ شيء؟ يُقلِّب كفيه ندماً على ما أنفق فيها {وَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا}[الكهف: ٤٢] خاوية: أي خَربة جَرْداء جَدْباء، كما قال سبحانه في آية أخرى:{أَوْ كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا}[البقرة: ٢٥٩]
ومعلوم أن العروش تكون فوق، فلما نزلت عليها الصاعقة من السماء دكَّتْ عروشها، وجعلت عاليها سافلها، فوقع العرش أولاً، ثم تهدَّمتْ عليه الجدران.
وقوله تعالى:{وَيَقُولُ ياليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}[الكهف: ٤٢] بعد أن ألجمتْه الدهشة عن الكلام، فراحَ يضرب كفَّاً بكفٍّ، أفاق من دهشته، ونزع هذا النزوع القوليّ الفوري:{ياليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}[الكهف: ٤٢] يتمنى أنه لم يشرك بالله أحداً؛ لأن الشركاء الذين اتخذهم من دون الله لم ينفعوه، لذلك قال بعدها:{وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله ... } .