للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اشترط موسى عليه السلام على نفسه إن اعترض على معلمه هذه المرة يكون الفِراقُ بينهما، وكأن العبد الصالح لم يَأْتِ بشيء من عنده، لقد قال موسى: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي} [الكهف: ٧٦] وها هو يسأله، إذن: فليس إلا الفراق: {قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. .} [الكهف: ٧٨]

قوله: {هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. .} [الكهف: ٧٨] تُعد دُستوراً من الحق سبحانه وتعالى ودليلاً على أن هذين المذهبين لا يلتقيان، فيظل كل منهما له طريقه: المرتاض له طريقه، وغير المرتاض له طريقه، ولا ينبغي أن يعترض أحدهما على الآخر، بل يلزم أدبه في حدود ما علَّمه الله.

ثم يقول تعالى على لسان الخضر: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} [الكهف: ٧٨] أي: لن أتركك وفي نفسك هذه التساؤلات، حتى لا يكون في نفسك مني شيء، سوف أخبرك بحقيقة هذه الأفعال التي اعترضْتَ عليها لتعلم أن الله لم يخدعْكَ، بل أرسلك إلى مَنْ يُعلّمك شيئاً لم تكُنْ تعلمه.

ثم أخذ العبد الصالح يكشف لموسى الحكمة من هذه الأفعال واحداً تِلْو الآخر، كما لو عتبَ عليك صاحبك في أمر ما، وأنت حريص على مودَّته فتقول له: أمهلني حتى أوضح لك ما حدث، لقد فعلتُ كذا من أجل كذا، لتريح قلبه وتُزيل ما التبس عليه من هذا الأمر.

وقالوا: إن هذا من أدب الصُّحْبة، فلا يجوز بعد المصاحبة أنْ نفترقَ على الخلاف، ينبغي أن نفترق على وِفَاق ورضا؛ لأن الافتراق على الخلاف يُنمِّي الفجوة ويدعو للقطيعة، إذن: فقبل أنْ نفترق: المسألة كيت وكيت، فتتضح الأمور وتصفو النفوس.

ثم يقول الحق سبحانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>