{وَإِسْرَائِيلَ}[مريم: ٥٨] هو نبيّ الله يعقوب {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا واجتبينآ}[مريم: ٥٨] الذي هديناهم واجتبيناهم. أي: اخترناهم واصطفيناهم للنبوة {إِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرحمن خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً}[مريم: ٥٨] .
لماذا قال {آيَاتُ الرحمن}[مريم: ٥٨] ولم يقُلْ: آيات الله؟ قالوا: لأن آيات الله تحمل منهجاً وتكليفاً، وهذا يشقُّ على الناس، فكأنه يقول لنا: إياكم أنْ تفهموا أن الله يُكلّفكم بالمشقة، وإنما يُكلّفكم بما يُسعِد حركة حياتكم وتتساندون، ثم يسعدكم به في الآخرة؛ لذلك اختار هنا صفة الرحمانية.
وقوله:{خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً}[مريم: ٥٨] لم يقُل: سجدوا، بل سقطوا بوجوههم سريعاً إلى الأرض. وهذا انفعال قَسْري طبيعي، لا دَخْلَ للعقل فيه ولا للتفكير، فالساجد يستطيع أنْ يسجدَ بهدوء ونظام، أما الذي يخرُّ فلا يفكر في ذلك، وهذا أشبه بقوله تعالى:{فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ}[النحل: ٢٦] أي: سقط عليهم فجأة.
وهذا الانفعال يُسمُّونه «انفعال نزوعي» ناتج عن الوجدان، والوجدان ناتج عن الإدراك، وهذه مظاهر الشعور الثلاثة: الإدراك، ثم الوجدان، ثم النزوع. والإنسان له حواس يُدرِك بها: العين والأذن والأنف واللسان. . الخ.
فهذه وسائل إدراك المحسّات، فإذا أدركتَ شيئاً بحواسِّك تجد له تأثيراً في نفسك، إما حُباً وإماً بُغْضاً، إما إعجاباً وإما انصرافاً، وهذا الأثر في نفسك هو الوجدان، ثم يصدر عن هذا الوجدان حركة هي «النزوع» .