قالوا: لأن هذا الكون العظيم بسمائه وأرضه، وما فيه من هندسة التكوين وإبداع الخلق قائم بقيومية الله تعالى عليه، كما قال سبحانه:{إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ}[فاطر: ٤١] .
فلا تظن أن الكون قائم على قانون يُديره، بل على القيومية القائمة على كل أمر من أمور الكون، والحق تبارك وتعالى لا تأخذه سنة ولا نوم. فما دام الأمر كذلك، وأنه تعالى يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا، وما بين ذلك، وأنه تعالى قيُّوم لا ينسى ولا يغفل وبه يقوم الكون. فهو إذن يستحق العبادة والطاعة فيما أمر، وقد أعطاك قبل أن يُكلّفك عطاء لا تستطيع أنت أن تفعله لنفسك، ثم تركك تربع في هذا النعيم خمس عشرة سنة دون أنْ يُكلِّفك بشيء من العبادات.
لذلك هنا يقول تعالى:{رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فاعبده واصطبر لِعِبَادَتِهِ}[مريم: ٦٥] وقد أكّد القرآن الكريم في آيات كثيرة مسألة الوحدانية، وأنه رَبٌّ واحد فقال:{رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا}[مريم: ٦٥] .
لأن القدماء، ومنهم مثلاً قدماء المصريين كانوا يجعلون رباً للسماء، ورباً للأرض، ورباً للجو، ورباً للأموات، ورباً للزرع. . إلخ وما دام هو سبحانه رب كل شيء فقد رتب العبادة على الربوبية. والعبادة: طاعة معبود فيما أمر وفيما نهى، وكيف لا نطيع الله ونحن خَلْقه وصَنْعته، ونأكل رزقه، ونتقلب في نعمه؟ وفي ريفنا يقول الرجل لولده المتمرد عليه:(مَنْ يأكل لقمتي يسمع كلمتي) .