للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن قول الله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض} جاء تعقيبا على قصة الصراع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم الذين أخرجوهم من ديارهم وعندما نتأمل هذه القصة من بدايتها نجد أنهم طلبوا أولا من الله الإذن بالقتال. وبعث الله لهم ملكا ليقاتلوا تحت رايته؛ وكانت علامة هذا الملك في الصدق أن يأتي الله بالتابوت. ثم جاءت قضية اجتماعية ينتهي إليها الناس عادة بحكيم الرأي ولو بدون الوحي، وهي أن الإنسان إذا ما أقبل على أمر يجب أن يعد له إعداداً بالأسباب البشرية، حتى إذا ما استوفى إعداده كل الأسباب لجأ إلى معونة الله، لأن الأسباب كما قلنا هي من يد الله، فلا ترد أنت يد الله بأسبابها، لتطلب معونة الله بذاته، بل خذ الأسباب أولا لأنها من يد ربك.

ويعلمنا الحق أيضا أن من الأسباب تمحيص الذين يدافعون عن الحق تمحيصا يبين لنا قوة ثباتهم في الاختبار الإيماني؛ لأن الإنسان قد يقول قولاً بلسانه؛ ولكنه حين يتعرض للفعل تحدثه نفسه بألا يوفي، وقد نجح قلة من القوم في الابتلاءات المتعددة. وفعلا دارت المعركة؛ وهزم هؤلاء المؤمنون أعداءهم، وانتصر داود بقتل جالوت.

إذن فتلك قضية دفع الله فيها أناسا بأناس، ويطلقها الحق سبحانه قضية عامة {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض} ، فالدفع هو الرد عن المراد، فإذا كان المراد للناس أن يوجد شر، فإن الله يدفعه. إذن فالله يدفع ولكن بأيدي خلقه، كما قال سبحانه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٤]

إنه دفع الله المؤمنين ليقاتلوا الكافرين، ويعذب الحق الكافرين بأيدي المؤمنين. وعندما نتأمل القول الحكيم: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض}

<<  <  ج: ص:  >  >>