الحق والباطل لا تطول؛ لأن الباطل زهوق. والذي يطول من المعارك هي المعارك بين الباطل والباطل؛ فليس أحدهما أولى بأن ينصره الله. فهذا على فساد وذاك على فساد، وسبحانه يدك هذا الفساد بذاك الفساد. وحين يندك هذا الفساد بذاك الفساد، فجناحا الفساد في الكون ينتهيان. ويأتي من بعد ذلك أناس ليس عندهم فساد ويعمرون الكون.
والمعارك التي تدور في أي مكان تجد أن هذا الطرف له هوى والآخر له هوىً مختلف.
ولا يقف الله في أي جانب منهما؛ لأنه ليس هناك جانب أحمق بالله من الآخر؛ لذلك يتركهم يصطرع بعضهم مع بعض، ومادام الحق قد تركهم لبعضهم البعض فلا بد أن تطول المعركة. ولو كان الله في بال جانب منهم لوقف سبحانه في جانبه. وكذلك نرى في معارك العصر الحديث أن المعركة تطول وتطول؛ لأننا لا نجد القسم الثالث الذي جاء في قوله سبحانه:{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين}[الحجرات: ٩]
إن الحق سبحانه وتعالى يأمر عند اقتتال طائفتين من المؤمنين أن يصلح بينهما قوم مؤمنون، فإن تعدت إحداهما على الأخرى، ورفضت الصلح فالحق يأمر المؤمنين بأن يقاتلوا الفئة التي تتعدى إلى أن ترجع إلى حكم الله، فإن رجعت إلى حكم الله فالإصلاح بين الفئتين يكون بالإنصاف؛ لأن الله يحب العادلين المنصفين.
ونحن نجد الباطل يتقاتل مع الباطل؛ لذلك لا نجد من يصلح بين الباطلين، بل نجد أهواءً تتعارك، وكل جانب ينفخ في الطائفة التي تناسب هواه.
وهذه هي الخيبة في الكون المعاصر؛ إن المعارك تطول لأنه ليس في بال المتقاتلين