أسْدى لك معروفاً، وقد يكون الحب من الله دون سبب من هذه الأسباب، فلا سببَ له إلا إرادة الله.
فمعنى:{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي}[طه: ٣٩] وليس فيك ما يُوجب المحبة، وليس لديك أسبابها، خاصة وقد كان موسى عليه السلام أسمر اللون، أجعد الشعر، أقنى الأنف، أكتف، وكأن هذه الخِلْقة جاءت تمهيداً لهذه المحبة، وإثباتاً لإرادة الله التي طوَّعَتْ فرعون لمحبة موسى، كما قال تعالى:{وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ}[الأنفال: ٢٤] .
وهكذا، حوَّل الله قلب فرعون، وأدخل فيه محبة موسى ليُمرِّر هذه المسألة على هذا المغفل الكبير، فجعله يأخذ عدوه ويُربِّيه في بيته، ولم يكن في موسى الوسامة والجمال الذي يجذب إليه القلوب.
ثم يقول سبحانه:{وَلِتُصْنَعَ على عيني}[طه: ٣٩] أي: تُربَّى على عَيْن الله وفي رعايته، وإنْ كان الواقع أنه يُربّى في بيت فرعون، فالحق تبارك وتعالى يرعاه، فإنْ تعرَّض لشيء في التربية تدخّل ربُّه عَزَّ وَجَلَّ ليعلمه ويُربّيه.
ومن هذه المواقف أن فرعون كان يجلس وزوجته آسية، ومعهما موسى صغير يلعب، فإذا به يمسك بلحية فرعون ويجذبها بشدة أغاظته، فأمر بقتله، فتدخلّت امرأته قائلة: إنه ما يزال صغيراً لا يفقه شيئاً، إنه لا يعرف التمرة من الجمرة.