للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزارعون} [الواقعة: ٦٣٦٤] فأثبت لهم عملاً، واحترم مجهودهم، إنما لما حرثتم من أين لكم بالبذور؟ فإذا ما تتبعت سِلْسِلة البذور القبلية لانتهتْ بك إلى نبات لا قَبْلَ له. كما لو تتبعتَ سلسلة الإنسان لوجدتها تنتهي إلى أب، لا أب له إلا مَنْ خلقه.

وأنت بعد أن ألقيتَ البذرة في الأرض وسقيْتها، ألَكَ حيلة في إنباتها ونُموّها يوماً بعد يوم؟ أأمسكْتَ بها وجذبْتها لتنمو؟ أم أنها قدرة القادر {الذي خَلَقَ فسوى والذي قَدَّرَ فهدى} [الأعلى: ٢٣] .

لذلك يقول تعالى بعدها: {لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة: ٦٥] ، فإنْ كانت هذه صنعتكم فحافظوا عليها.

كما حدث مع قارون حينما قال عن نعمة الله: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ} [الزمر: ٤٩] .

فما دام الأمر كذلك فحافظ عليه يا قارون بما عندك من العلم، فلما خسف الله به وبداره الأرض دَلَّ ذلك على كذبه في مقولته.

ونلحظ في قوله تعالى: {لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة: ٦٥] أنه مؤكد باللام، لماذا؟ لأن لك شبهة عمل في مسألة الزرع، قد تُطمِعك وتجعلك مُتردّداً في القبول. إنما حينما تكلم عن الماء قال:

{أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة: ٦٨٧٠] .

هكذا بدون توكيد؛ لأنها مسألة لا يدَّعيها أحد لنفسه.

وقوله تعالى: {أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شتى} [طه: ٥٣] لم يقل: نباتاً فقط. بل أزواجاً؛ لأن الله تعالى يريد أن تتكاثر الأشياء، والتكاثر لا بُدَّ له من زوجين: ذكر وأنثى. وكما أن الإنسان يتكاثر، كذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>