للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمنعه عنك لمتّ قبل أنْ يرضى عنك، وليس هناك وقت تحتال في طلبه.

وقوله تعالى: {وارعوا أَنْعَامَكُمْ} [طه: ٥٤] لأنها تحتاج أيضاً إلى القُوت، وقال تعالى في أية أخرى: {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [النازعات: ٣٣] ثم يصبّ الجميع في أن يكون متاعاً للإنسان الذي سخّر الله له كل هذا الكون.

وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لأُوْلِي النهى} [طه: ٥٤] .

آيات: عجائب. والنُّهَى: جمع نُهية مثل قُرَبْ جمع: قُرْبة. والنُّهَى: العقول، وقد سمّاها الله تعالى أيضاً الألباب، وبها تتم عملية التدبير في الاختيارات.

والعقل من العقال الذي تعقل به الدابة حتى لا تشرد منك، وكذلك العقل لم يُخلَق لك كي تشطح به كما تحب، إنما لتعقل غرائزك، وتحكمها على قَدْر مهمتها في حياتك، فغريزة الأكل مثلاً لبقاء الحياة، وعلى قَدّْر طاقة الجسم، فإنْ زادت كانت شراهة مفسدة.

وقد جُعل حُبُّ الاستطلاع للنظر في الكون وكَشْف أسراره وآيات الله فيه، فلا ينبغي أنْ تتعدّى ذلك، فتتجسس على خَلْق الله.

وسُمِّيَتْ العقول كذلك النُّهَى، لأنها تنهي عن مثل هذه الشطحات. إذن: فلا بد للإنسان من عقل يعقل غرائزه، حتى لا تتعدى المهمة التي جُعلَتْ لها، ويُوقِفها عند حَدِّها المطلوب منها، وإلا انطلقتْ وعربدتْ في الكون، لا بُدَّ للإنسان من نُهية تنهاه وتقول له: لا لشهوات النفس وأهوائها، وإلاّ فكيف تُطلِق العنان لشهواتك، ولست

<<  <  ج: ص:  >  >>