وقوله تعالى:{فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى}[طه: ٦٦] إذن: فحركة العِصِيّ والحبال ليستْ حركة حقيقية، إنما هي تخيُّل {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ}[طه: ٦٦] فيراها تسعى، وهي ليست كذلك.
وقد قال تعالى عن هؤلاء السحرة:{سحروا أَعْيُنَ الناس}[الأعراف: ١١٦] فجاءوا بأعمال تخيُّلية خادعة بأيِّ وسيلة كانت، فالبعض يقول مثلاً: إنهم وضعوا بها الزئبق، فلما حَمِيَتْ عليه الشمس تمدّد، فصارتْ الأشياء تتلوّى وتتحرك، فأياً كانت وسائلهم فهي مجرد تخيُّلات، أمَّا الساحر نفسه فيراها حِبَالاً على حقيقتها، وهذا هو الفرق بين سِحْر السحرة، ومعجزة عصا موسى.
والسحر يختلف عن الحِيَل التي تعتمد على خِفَّة الحركة والألاعيب والخُدَع، فالسحر أقرب ما يكون إلى الحقيقة في نظر الرائي، كما قال تعالى:{واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر}[البقرة: ١٠٢] .
إذن: هو فَنُّ يُتعلم، يعطي التخييل بواسطة تسخير الجنِّ، فهم الذين يقومون بكل هذه الحركات، فهي إذن ليستْ حيلاً ولا خفة حركة، إنما هي عملية لها أصول وقواعد تُدرَّس وتُتعَلَّم.
والخالق عَزَّ وَجَلَّ حينما يعرض علينا قضية السحر، وأنه عبارة عن تَسخير الشياطين لخدمة الساحر، ويجعل لكل منهما القدرة على مضرّة الآخرين: الساحر بالسحر، والشياطين بما لديهم من قوة التشكّل في الأشكال المختلفة والنفاذ من الحواجز؛ لأن الجن خُلِقُوا من النار، والنار لها شفافية تنفذ خلال الجدار مثلاً.
أما الإنسان فَخُلِق من الطين، والطين له كثافة، وضربنا مثلاً