جاءوا بكل ما لديهم من الكَيْد، وجمعوا صَفْوة السحر وأساتذته ممنْ يَعْلمون السحر جيداً، ولا تنطلي عليهم حركات السحرة وألاعيبهم، فلما رَأوا العصا وما فعلتْ بسحرهم لم يخالطهم شكٌّ في أنها معجزة بعيدة عَمّا يصنعونه من السحر؛ لذلك سارعوا ولم يترددوا في إعلان إيمانهم بموسى وهارون.
وهذا يدلُّنا على أن الفطرة الإيمانية في النفس قد تطمسها الأهواء، فإذا ما تيقظتْ الفطرة الإيمانية وأُزيلَتْ عنها الغشاوة سارعتْ إلى الإيمان وتأثرتْ به.
لقد سارع السحرة إلى الإيمان، وكان له هَوىً في نفوسهم، بدليل أنهم سيقولون فيما بعد:{وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر}[السحر: ٧٣] فكانوا مكرهين، كانوا أيضاً مُسخَّرين، بدليل قولهم:{إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين}[الأعراف: ١١٣] .
كأنهم كانوا لا يأخذون على السحر أجراً، فلما كانت هذه المهمة صعبة طلبوا عليها أجراً، فهي معركة تتوقف عليها مكانته بين قومه، أما ممارستهم للسحر إرهاباً للناس وتخويفاً لمن تُسوِّل له نفسه الخروج والتمرد على فرعون، فكان سُخْرة، لا يتقاضَوْن عليه أجراً.
لذلك لم يعارض فرعون سحرته في طلبهم، بل زادهم منحة أخرى {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين}[الأعراف: ١١٤] فسوف تكونون سدنة الفرعونية، يريد أنْ يشحن هِمَمهم، ويشحذَ عزائمهم، حتى لا يدخروا وُسْعاً في فَنِّ السحر في هذه المعركة.
إذن: فطباعهم وفطرتهم تأبى هذا الفعل، وتعلم أنه كذب