لذلك كانت هذه المسألة مثارَ جَدَل من خصوم الإسلام، يقولون: ماذا قال السحرة بالضبط؟ أقالوا الأولى أم الثانية؟
ولك أن تتصور جمهرة السحرة الذين حضروا هذه المعركة، فكان رؤساؤهم وصفوتهم سبعين ساحراً، فما بالك بالمرؤوسين؟ إذن: هم كثيرون، فهل يُعقل مع هذه الكثرة وهذه الجمهرة أن يتحدوا في الحركة وفي القول؟ أم يكون لكل منهم انفعاله الخاص على حَسْب مداركه الإيمانية؟
لا شَكَّ أنهم لم يتفقوا على قول واحد، فمنهم مَنْ قال {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى}[طه: ٧٠] وآخرون قالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ}[الشعراء: ٤٧٤٨] .
كذلك كان منهم سطحيّ العبارة، فقال {آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ}[الشعراء: ٤٧٤٨] ولم يفطن إلى أن فرعون قد ادّعى الألوهية وقال أنا ربكم الأعلى فربما يُفهم من قوله {رَبِّ موسى وَهَارُونَ}[الشعراء: ٤٨] أنه فرعون، فهو الذي ربّى موسى وهو صغير.
وآخر قد فطن إلى هذه المسألة، فكان أدقَّ في التعبير، وأبعد موسى عن هذه الشبهة، فقال:{آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى}[طه: ٧٠] وجاء أولاً بهارُون الذي لا علاقة لفرعون بتربيته، ولا فضل له عليه، ثم جاء بعده بموسى.