بتعذيب فلان، فلماذا يفعل وهو يعلم أنه بريء مظلوم، ولا يطاوعه قلبه في تعذيبه، فكان يدخل على المسجون ويقول له: اصرخ بأعلى صوتك، ويُمثِّل أنه يضربه.
ثم يقولون:{والله خَيْرٌ وأبقى}[طه: ٧٣] فأنت ستزول، بل دنياك كلها ستزول بمَنْ جاء بعدك من الطُّغَاة، ولن يبقى إلا الله، وهو سبحانه يُمتِّع كل خَلْقه بالأسباب في الدنيا، أما في الآخرة فلن يعيشوا بالأسباب. إنما بالمسبب عَزَّ وَجَلَّ دون أسباب.
لذلك إذا خطر الشيء ببالك تجده بين يديك، وهذا نعيم الآخرة، ولن تصل إليه حضارات الدنيا مهما بلغتْ من التطور.
لذلك في قوله تعالى:{حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً}[يونس: ٢٤] ، فمهما ظَنَّ البشر أنهم قادرون على كل شيء في دُنْياهم فهم ضُعفاء لا يستطيعون الحفاظ على ما توصّلوا إليه.
إذن: اجعل الله تبارك وتعالى في بالك دائماً يكُنْ لك عِوَضاً عن فائت، واستح أنْ يطلع عليك وأنت تعصيه. وقد ورد في الحديث القدسي:«إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم فالخلل في إيمانكم، وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم؟!» .
ولما سُئل أحد العارفين: فيم أفنيتَ عمرك؟ قال: في أربعة أشياء: علمتُ أنِّي لا أخلو من نظر الله تعالى طَرْفة عَيْن، فاستحييتُ أن أعصيه، وعلمتُّ أنَّ لي رِزْقاً لا يتجاوزني وقد ضمنه الله لي فقنعتُ به، وعلمتُ أن عليَّ ديناً لا يُؤدِّيه عنِّي غيري فاشتغلتُ به، وعلمتُ أن لي أَجَلاً يبادرني فبادرته.