كما أن المكان يختلف إعداده وترفه حَسْب المُعِدْ وإمكاناته، فالإنسان العادي يُعِد مكاناً غير الذي يعده عظيم من العظماء، فما بالك إذنْ بمكان أعدّه لك ربك عَزَّ وَجَلَّ بقدراته وإمكاناته؟
نعلم أن الماء من أهم مقومات الحياة الدنيا، فبه تنبت الأرض النبات، وفيه تذوب العناصر الغذائية، وبدونه لا تقوم لنا حياة على وجه الأرض. والحق سبحانه وتعالى ساعةَ يُنزِل مطراً من السماء قد لا ينتفع بالمطر مَنْ نزل عليه المطر، فربما نزل على جبل مثلاً، فالنيل الذي نحيا على مائه يأتي من أين؟ من الحبشة وغيرها.
لذلك جعل الخالق عَزَّ وَجَلَّ كلمة {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار}[طه: ٧٦] رمزاً للخضرة وللنضارة وللنماء وللحياة السعيدة الهانئة، حتى الإنسان وإنْ لم يكُنْ محتاجاً للطعام بأنْ كان شبعان مثلاً، يجد لذة في النظر إلى الطبيعة الخضراء، وما فيها من زرع وورود وزهور، فليس الزرع للأكل فقط، بل للنظر أيضاً، وإنْ كنتَ تأكل في اليوم ثلاث مرات، والأكل غذاء للجسم، فأنت تتمتع بالمنظر الجميل وتُسَرُّ به كلما نظرتَ إليه، والنظر متعة للروح، وسرور للنفس.
وكأن الحق تبارك وتعالى يقول لنا: لا تقصروا انتفاعكم بنعم الله على ما تملكون، فتقول مثلاً: لا آكل هذه الفاكهة لأنها ليست مِلْكي، لأن هناك متعةً أخرى:{انظروا إلى ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}[الأنعام: ٩٩] فقبل أن تأكل انظر، فالنظر متعة، وغذاء مستمر.