لذلك كان ولا بُدَّ حين يُنزِل الله القرآن على رسوله أن يقول له:{فتعالى الله الملك الحق}[طه: ١١٤] فليست هناك حقيقة بعد هذا أبداً، وليس هناك شيء ثابت ثبوتَ الحق سبحانه وتعالى.
ثم يقول تعالى {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ أَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}[طه: ١١٤] وهذه مُقدِّمات ليطمئن رسول الله على حِفْظ القرآن؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان ينزل عليه الوحي، فيحاول إعادته كلمة كلمة. فإذا قال الوحي مثلاً:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}[الجن: ١] فيأخذ الرسول من تكرارها في سِرَّه ويُردِّدها خلف جبريل عليه السلام مخافة أنْ ينساها لشدة حِرْصه على القرآن.
فنهاه الله عن هذه العجلة {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن}[طه: ١١٤] أي: لا تتعجل، ولا تنشغل بالتكرار والترديد، فسوف يأتيك نُضْجها حين تكتمل، فلا تَخْشَ أنْ يفوتك شيءٌ منه طالما أنني تكفَّلْتُ بحِفْظه؛ لذلك يقول له في موضع آخر:{سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى}[الأعلى: ٦] .
فاطمئن ولا تقلق على هذه المسألة؛ لأن شغلك بحفظ كلمة قد يُفوِّت عليك أخرى.
والعَجَلة أنْ تُخرِج الحدث قبل نُضْجه، كأن تقطف الثمرة قبل نُضْجها وقبل أوانها، وعند الأكل تُفَاجأ بأنها لم تَسْتَوِ بعد، أو تتعجل قَطْفها وهي صغيرة لا تكفي شخصاً واحداً، ولو تركتها لأوانها لكانت كافية لعدة أشخاص.