والمراد بالعَمَى ألاَّ تُدرِكَ المبصَرات، وقد توجد المبصَرات ولا تتجه لها بالرؤية، فكأنك أعمى لا ترى، وكذلك المعرِض عن الآيات الذي لا يتأملها، فهو أعمى لا يراها.
لذلك في الآخرة يقول تعالى:{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً}[الإسراء: ٩٧] فساعةَ يُبعَث الكافرون يُفزَّعون بالبعث الذي كانوا ينكرونه ويضطربون اضطراباً، يحاول كل منهم أن يرى منفذاً وطريقاً للنجاة، ولكن هيهات، فقد سلبهم الله منافذ الإدراك كلها، وسَدَّ في وجوههم كل طرق النجاة، والإنسان يهتدي إلى طريقه بذاته وبعيونه، فإنْ كان أعمى أمكنه أنْ ينادي على مَنْ يأخذ بيده، فإنْ كان أيضاً أبكم، فلربما سمع مَنْ يناديه ويُحذره ويُدِله، فإنْ كان أصمَّ لا يسمع؟
إذن: سُدَّتْ أمامه كل وسائل النجاة، فهو أعمى لا يبصر النجاة بذاته، وأبكم لا يستطيع أنْ يستغيث بمَنْ ينقذه، وهو أيضاً أصمّ لا يسمع مَنْ يتطوع بإرشاده أو تحذيره.
وقد وجد كثير من المشككين في هذه الآية شيئاً ظاهرياً يطعنون به على أسلوب القرآن، حيث يقول هنا:{قَالَ رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى}[طه: ١٢٥] وفي موضع آخر يقول: {وَرَأَى المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا}[الكهف: ٥٣] فنفى عنهم الرؤية في آية، وأثبتها لهم في آية أخرى.
وفاتَ هؤلاء المتمحِّكين أَن الإنسانَ بعد البعث يمرُّ بمراحل عِدَّة: فساعةَ يُحشرون من قبورهم يكونون عُمْياً حتى لا يهتدوا إلى طريق النجاة، لكن بعد ذلك يُريهم الله بإيلام آخر ما يتعذبون به من النار.
وهذا الذي حآق بهم كِفَاءٌ لما صنعوه، فقد قدَّموا هم العمى