وقوله تعالى:{وكذلك نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ}[طه: ١٢٧] فأنزل الإسراف منزلةَ تالية لعدم الإيمان؛ لذلك قال بعدها:{وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّه}[طه: ١٢٧] لأنه حين ينقل الحلال إلى الحرام، أو الحرام إلى الحلال، فكأنه عطّل آيات الله.
ثم يقول تعالى:{وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى}[طه: ١٢٧] إذن: فالكلام هنا عن الدنيا، فلا تظن أن الله يُؤخِّر للكافر كُلَّ العذاب، فهناك أشياء تُعجِّل له في الدنيا لا تُؤخِّر.
وأول مَا لا يُؤخِّر ويُعجل الله به في الدنيا عقوبة الظلم، فلا يمكن أنْ يموتَ الظالم قبل أن يرى المظلوم ما صنعه الله به، وإلاّ فالذين لا يؤمنون بالقيامة ولا بالجزاء كانوا فجروا في الخَلْق وَعاثُوا في الأرض، فمن حكمة الله أن نرى لكل ظالم مصرعاً حتى تستقيم حركة الحياة، ولو لم يكُنْ الإنسان مؤمناً.
والحق سبحانه حين يريد أنْ يُعذِّب يتناسب تعذيبه مع قدرته تعالى، كما أن ضربة الطفل غير ضربة الشاب القوي. إذن: مَا يناله من عذاب في الحياة هين لأنه من الناس، أمّا عذاب الآخرة فشيء آخر؛ لأنه عذاب من الله يتناسب مع قدرته تعالى.
{وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى}[طه: ١٢٧] أبْقَى؛ لأن عذاب الدنيا ينتهي بالموت، أو بأن يرضى عنك المعذَّب ويرحمك، وقد يتوسط لك أحد فيزيل عنك العذاب، أمّا في الآخرة فلا شيء من ذلك، ولا مفرَّ من العذاب ولا مَلْجأ.
ثم يقول الحق سبحانه:{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ}