وغيبهم، ويطلق «ما بين اليد» إطلاقا آخر. إننا قد نسأل عمّا بين يديك. هل هو مواجه لك أو غير مواجه؟ فلو كان أمامك بشر، فهل هم قادمون إليك أو راحلون عنك؟
إنهم إن كانوا راحلين عنك فقد سبقوك وقد جئت أنت من بعدهم، ومن وراءك سيأتي من بعدك. أي أن الحق سبحانه يخبرنا أنه يعلم الماضي والمستقبل. فمرة يعلم الحق ما بين أيديهم، أي العالم المشهود ويسمونه «عالم الملك» ، وما خلفهم أي الغيب، ويسمونه «عالم الملكوت» . إنه يعلم المشهود لهم والخفي عنهم. وكما يقول الحق:{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البر والبحر وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[الأنعام: ٥٩]
إن عند الله علم جميع الغيب ويحيط علمه بكل شيء، ولا تخفى عليه خافية. إنها إحاطة من كل ناحية. {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ} . إنه الحق يعلم مطلق العلم. وكون الحق يعلم فإن ذلك لا ينفي أن يكون غيره يعلم أيضا، لكن علم البشر هو بعض علم موهوب من الخالق لعباده.
فعندما يقول واحد: أنا أقول الشعر. فهل منع ذلك القول أحداً آخر من أن يقول الشعر؟ لا.
إنه لم يقل: ما يقول الشعر إلا أنا.
ويقول سبحانه:{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ} ، و «العلم» هو الصفة التي تعلم الأشياء على وفق ما هي عليه، هذا هو العلم. وصفة الله وعلمه أعظم من أن يحاط بهم، لأنها لو أحيطت لحددت، وكمالات الله لا تحدد، مثلما ترى شيئا يعجبك فتقول: هذه قدرة الله، هل هي قدرة الله أو مقدور الله؟ إنها مقدور الله أي أثر القدرة، فعندما يقول:{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ} أي من معلومه.