هذا هو الفرقان والنور والبصيرة وفراسة المؤمن الذي يرى بنور الله، ولا يصدر في أمر من أموره إلا على هَدْيه.
ويُروى أن المهدي الخليفة العباسي أيضاً دخل الكعبة، فوجد صبياً صغيراً في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمره يلتف حوله أربعمائة شيخ كبير من أصحاب اللحي والهَيْبة والوقار، والصبي يُلْقِي عليهم درساً، فتعجب المهدي وقال: أُفٍّ لهذه السعانين يعني الذقون، أمَا كان فيهم مَنْ يتقدم؟! ثم دنا من الصبي يريد أن يُقرِّعه ويؤنِّبه فقال له: كم سِنّك يا غلام؟ فقال الصبي: سني سِنُّ أسامة بن زيد حينما ولاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إمارة جيش فيه أبو بكر وفيه عمر، فقال له المهدي - معترفاً بذكائه وأحقيقته لهذا الموقف: بارك الله فيك.
فالفرقان - إذن - لا تُستعمل إلا للأمور الجليلة العظيمة، سواء ما نزل على موسى، أو ما نزل على محمد، إلا أن الفرقان أصضبح عَلَماً على القرآن، فهناك بين العلم والوصف، فكل ما يُفرِّق بين حَقٍّ وباطل تصفه بأنه فرقانٌ، أمّا إنْ سُمِّي به ينصرف إلى القرآن.
والمتأمل في مادة (فَرَق) في القرآن يجد أن لها دوراً في قصة موسى عليه السلام، فأول آية من آياته:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر ... }[البقرة: ٥٠] .
والفَرْق أنْ تفصل بين شيء مُتصل مع اختلاف هذا الشيء، وفي علم الحساب يقولون: الخَلْط والمزج، ففَرْق بين أن تفصل بين أشياء مخلوطة مثل برتقال وتفاح وعنب، وبين أنْ تفصلها وهي مزيج من العصير، تداخل حتى صار شيئاً واحداً.
إذن: ففَرْق البحر لموسى - عليه السلام - ليس فَرْقاً بل فرقاناً،