بالعروة الوثقى} وكأن الحق يشرح ذلك بهذه الآية، فما دام العبد سيتصل بالعروة الوثقى ويستمسك بها، وهذه ليست لها انفصام فقد صارت ولايته لله، وكلمة «وليّ» إذا سمعتها هي من «وَلِيَ» أي: جاء الشيء بعد الشيء من غير فاصل؛ هذا يليه هذا، وما دام يليه من غير فاصل فهو الأقرب له، وما دام هو الأقرب له إذن فهو أول من يفزع لينقذ، فقد يسير معي إنسان فإذا التوت قدمي أناديه؛ لأنه الأقرب مني، وهو الذي سينجدني.
فلا يوجد فاصل، وما دام لا يوجد فاصل فهو أول من تناديه، وأول من يفزع إليك بدون أن تصرخ له؛ لأن من معك لا تقل له: خذ بيدي، إنه من نفسه يأخذ بيدك بلا شعور، إذن فكلمة {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} إذا نظرت إليها وجدتها تنسجم أيضا مع {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، فلا يريدك أن تناديه؛ لأن هناك من تصرخ عليه لينجدك، وهو لن تصرخ عليه؛ لأنه سميع وعليم، {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} .
وكلمة «وليّ» أيضا منها (مولى) ومنها (وال) ، {وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} أي هو الذي يتولى شئونهم وأمورهم، كما تقول: الوالي الذي تولى أمر الرعية، وكلمة «مولى» مرة تطلق على السيد، ومرة تطلق على خادمه، ولذلك يقول الشاعر:
مولاك يا مولاي طالب حاجة ... أي عبدك يا سيدي طال بحاجة، فهي تستعمل في معان مترابطة؛ لأننا قلنا:«وَلِيّ» تعني القريب، فإذا كان العبد في حاجة إلى شيء فمن أول من ينصره؟ سيده، وإذا نادى السيد، فمن أول مجيب له؟ إنه خادمه، إذن فيُطلق على السيد ويُطلق على العبد، ويُطلق على الوالي، {اللهُ وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} . وقوله الحق:{الذين آمَنُواْ} يعني جماعة فيها أفراد كثيرة، كأنه يريد من الذين آمنوا أن يجعلوا إيمانهم شيئا واحداً، وليسوا متعددين، أو أن ولاية الله لكل فرد على حدة تكون ولاية لجميع المؤمنين، وما داموا مؤمنين فلا تضارب في الولايات؛ لأنهم كلهم صادرون وفاعلون عن إيمان واحد، ومنهج واحد، وعن قول واحد، وعن فعل واحد، وعن حركة واحدة.
وكيف يكون {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} ؟ إنه وليهم أي ناصرهم. ومحبهم ومجيبهم